صفحة جزء
[ ص: 87 ] مسالك العلة

ص - مسالك العلة ، الإجماع ، النص .

الأول : الإجماع .

الثاني : النص ، وهو مراتب :

صريح ، مثل : لعلة كذا ، أو لسبب ، أو لأجل ، أو من أجل ، أو كي ، أو إذا .

ومثل : لكذا ، أو إن كان كذا ، أو بكذا .

أو مثل : فإنهم يحشرون ، فاقطعوا أيديهما .

ومثل قول الراوي : سها فسجد ، وزنى ماعز فرجم ، سواء الفقيه وغيره ; لأن الظاهر أنه لو لم يفهمه لم يقله .


ش - لما فرغ من أركان القياس وشرائطها ، شرع في مسالك العلة ، وهي الطرق الدالة على كون الوصف المعين علة للحكم .

المسلك الأول : الإجماع ، فإن الأمة إذا أجمعوا على كون [ ص: 88 ] الوصف المعين علة للحكم - سواء كان الإجماع قطعيا أو ظنيا - يثبت علية الوصف ، كإجماعهم على كون الصغر علة لثبوت الولاية على الصغيرة في قياس ولاية النكاح على ولاية المال .

المسلك الثاني : النص ، وهو أن يذكر من الكتاب أو السنة ما يدل على علية الوصف ، وهو على مراتب :

المرتبة الأولى : الصريح ، وهو ما يدل بالوضع على العلية ، وهو إما أن لا يحتمل غير العلية ، أو يحتمل غيرها احتمالا مرجوحا .

والأولى : وهو ما لا يحتمل غير العلية ، أن يذكر العلة بلفظ لا يقصد به غير العلية ، مثل : " لعلة كذا " ، " أو لسبب كذا " ، " أو لأجل كذا " ، مثل قوله - عليه السلام : " إنما جعل الاستئذان لأجل البصر " .

[ ص: 89 ] أو " من أجل كذا " ، كقوله - تعالى : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل .

أو " كي " ، كقوله - تعالى : كي لا يكون دولة بين الأغنياء . والدولة في المال ، يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه مرة لهذا ، ومرة لهذا .

أو " إذا " ، كقوله - تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) ، أي ضعف العذاب حيا وميتا في الدنيا والآخرة .

والثاني : وهو ما يحتمل غير العلية احتمالا مرجوحا ، إما أن يذكر العلة بحرف من حروف التعليل ، قد يقصد به غير العلية ، مثل : " لكذا " ، كقوله - تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .

أو " أن " ، كقوله - تعالى : عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين .

[ ص: 90 ] والعتل : الغليظ الجافي .

الزنيم : المستلحق بقوم ليس منهم ، ولا يحتاج إليه .

وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه .

أو " بكذا " ، كقوله - تعالى : جزاء بما كانوا يعملون ، فهذه الثلاثة ظاهرة في العلية ، وقد يقصد بها غير العلية .

أما اللام ، فكقوله - تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم ، فإنه لا يجوز أن يكون ذات جهنم غرضا بالاتفاق .

وكقول الشاعر :

لدوا للموت وابنوا للخراب

.

فإن اللام هاهنا ليست للغرض .

وأما " أن " فكقول القائل : أردت أن أضرب زيدا للتأديب ، فإن " أن " هاهنا لا يكون للغرض .

وأما الباء ; فلأنه قد يكون للتعدية ، كقوله - تعالى : ذهب الله بنورهم .

[ ص: 91 ] وإما أن تذكر العلية بتعليق الحكم على الوصف بالفاء ، وذلك على وجهين :

الأول : أن يدخل الفاء على العلة ، ويكون الحكم متقدما ، كقوله - عليه السلام - في قتلى أحد : " زملوهم بكلومهم ودمائهم ، فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك .

والكلوم : جمع الكلم ، وهو الجراحة .

والودج : عرق في العنق ، والجمع أوداج .

وقوله : " تشخب " ، أي تتفجر .

الثاني : أن تدخل الفاء في الحكم ، وتكون العلة متقدمة ، وذلك أيضا على وجهين :

الأول : أن تدخل الفاء على كلام الشارع ، كقوله - تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما .

[ ص: 92 ] والثاني : أن تدخل على رواية الراوي ، كقول الراوي : " سها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد " . و " زنى ماعز فرجم " .

ولا فرق بين أن يكون الراوي فقيها أو غيره ; لأن الظاهر من حال الراوي العدل أنه لو لم يفهم كون الوصف علة ، لم يقله .

التالي السابق


الخدمات العلمية