صفحة جزء
[ ص: 131 ] ص - وتثبت علية الشبه بجميع المسالك ، وفي إثباته بتخريج المناط نظر ، ومن ثم قيل : هو الذي لا تثبت مناسبته إلا بدليل منفصل ، ومنهم من قال : ما يوهم المناسبة ، ويتميز عن الطردي بأن وجوده كالعدم .

وعن المناسب الذاتي بأن مناسبته عقلية ، وإن لم يرد شرع ، كالإسكار في التحريم .

مثاله : طهارة تراد للصلاة ، فيتعين الماء ، كطهارة الحدث . فالمناسبة غير ظاهرة ، واعتبارها في مس المصحف والصلاة يوهم ، وقول الراد له : إما أن يكون مناسبا أو لا .

والأول مجمع عليه ، فليس به .

والثاني طرد ، فيلغى .

أجيب : مناسب ، والمجمع عليه المناسب لذاته أو لا واحد منهما .


ش - ومن مسالك العلة : الشبه ، [ ص: 132 ] ولا يفيد العلية بذاته .

وتثبت عليته بجميع المسالك من النص والإجماع والسبر والتقسيم ، وفي إثباته بتخريج المناط أي المناسبة نظر .

ومن ثم ، أي ومن أجل أن إثباته بتخريج المناط محل نظر ، قيل في تعريف الشبه : إنه الوصف الذي لا يثبت مناسبته إلا بدليل منفصل ، فإنه إذا لم يثبت علية الشبه بتخريج المناط ، يلزم أن لا يكون مناسبته للحكم لذاته ، وإلا لثبت عليته بتخريج المناط .

وقال بعض الشارحين : إثبات علية الشبه بتخريج المناط مبني على تعريف الشبه . فمن عرفه بأنه الذي يوهم المناسبة ، فلا يجوز إثباته بتخريج المناط ، فإن تخريج المناط يوجب المناسبة ، وما يوهم المناسبة ، لا يكون موجبا للمناسبة ، فبينهما تناف .

ومن عرفه بالمناسب الذي ليس مناسبته لذاته ، جوز إثباته بتخريج المناط . فإنه لا منافاة حينئذ بين الشبه وتخريج المناط ; إذ من الجائز أن يكون الوصف الشبهي مناسبا يتبع المناسب بالذات لاشتماله عليه .

قوله : ومن ثم ، أي ومن أجل أن الشبه غير مستقل في الدلالة على العلية ، بل يحتاج إلى مسلك آخر ، عرف بأنه لا يكون مناسبا إلا بدليل منفصل .

[ ص: 133 ] وفيه نظر ، فإنه على تقدير أن يعرف بما لا يكون مناسبته إلا بدليل منفصل ، لا يمكن إثبات عليته بتخريج المناط ; لأن تخريج المناط إنما يتحقق بثبوت وصف مناسب لذاته ، فهذا الوصف لا يخلو إما أن يكون هو الوصف الشبهي ، أو غيره .

فإن كان الأول ، يلزم أن يكون الشبهي مناسبا لذاته ، وقد فرض بخلافه .

وإن كان غيره ، لا يكون الوصف الشبهي مناسبا بالذات ، بل بالتبع ، ومع وجود المناسب بالذات ، لا يعلل بالمناسب بالتبع .

وأيضا : توجيه قوله : " ومن ثم " على الوجه الذي قرره هذا الشارح ، لا يخلو عن تعسف .

ومن الأصوليين من عرف الشبه بأنه : ما يوهم المناسبة ، ويتميز الشبه عن الطردي بأن وجود الطرد كالعدم ; إذ لا مناسبة له أصلا ، بخلاف الشبه فإن له مناسبة ، وإن كانت بدليل منفصل .

ويتميز الشبه عن المناسب الذاتي بأن المناسب الذاتي مناسبته عقلية تعلم بالنظر في ذاته ، وإن لم يرد الشرع ، كالإسكار في التحريم ، فإن مناسبة الإسكار للتحريم تعلم بالنظر في ذات الإسكار ، وإن لم يرد الشرع .

بخلاف الشبه ، فإن مناسبته لا تعلم بالنظر في ذاته ، بل [ ص: 134 ] يحتاج إلى دليل منفصل ، وإلى ورود الشرع ، واعتبار الشبه في بعض الصور .

مثال الشبه قول الشافعي في إزالة الخبث بالماء : طهارة الخبث طهارة تراد للصلاة . فتعين فيها الماء ، كطهارة الحدث . فإن مناسبة الطهارة لتعيين الماء غير ظاهرة ، ولكن لما اعتبر الطهارة بالماء في مس المصحف والصلاة توهم مناسبة الطهارة لتعيين الماء .

واحتج الراد ، أي القائل بأن الشبه غير معتبر في العلية ، بأن الوصف الذي يعلل به في الشبه لا يخلو إما أن يكون مناسبا ، أو لا .

فإن كان الأول ، فهو مجمع عليه في كونه معتبرا ، فلا يكون شبها ; لأنه مختلف فيه .

وإن كان الثاني : فهو طرد ، والطرد يلغى بالاتفاق .

أجاب بأنه مناسب ، ولا يلزم أن يكون مجمعا عليه ; لأن المجمع عليه ، هو المناسب لذاته ، والشبه لا يكون مناسبا لذاته . أو بأنه لا واحد من المناسب بالذات ، ومن المناسب بالغير مجمع عليه ، فحينئذ يبطل قوله : والأول مجمع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية