صفحة جزء
ص - الرابع والعشرون : القلب .

قلب لتصحيح مذهبه ، وقلب لإبطال مذهب المستدل صريحا ، وقلب بالالتزام .

الأول : لبث ، فلا يكون قربة بنفسه ، كالوقوف بعرفة .

فيقول الشافعي : فلا يشترط فيه الصوم ، كالوقوف بعرفة .

الثاني : عضو وضوء ، فلا يكتفي فيه بأقل ما ينطلق ، كغيره .

فيقول الشافعي : فلا يتقدر بالربع .

الثالث : عقد معاوضة ، فيصح مع الجهل بالعوض ، كالنكاح .

فيقول الشافعي : فلا يشترط فيه خيار الرؤية ; لأن من قال بالصحة قال بخيار الرؤية ، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم .

[ ص: 238 ] والحق أنه نوع معارضة اشترك فيه الأصل والجامع ، فكان أولى بالقبول .


ش - الاعتراض الرابع والعشرون : القلب ، وهو تعليق نقيض الحكم المذكور أو لازم نقيضه على العلة المذكورة إلحاقا بالأصل المذكور .

وقسم المصنف القلب إلى ثلاثة أقسام :

قلب ذكره المعترض لتصحيح مذهبه ، وقلب ذكره لإبطال مذهب المستدل صريحا ، وقلب ذكره لإبطال مذهبه بالالتزام .

مثال الأول : قول الحنفي في أن الصوم شرط صحة الاعتكاف : الاعتكاف لبث ، فلا يكون فيه قربة بنفسه قياسا على الوقوف بعرفة ، فلا بد من انضمام عبادة أخرى إليه ليحصل به قربة .

فيقول الشافعي : الاعتكاف لبث مخصوص ، فلا يشترط فيه الصوم قياسا على الوقوف بعرفة .

فقد صحح المعترض بهذا القلب مذهبه ، وهو عدم اشتراط الصوم .

[ ص: 239 ] مثال الثاني : قول الحنفي في مسح الرأس : الرأس عضو من أعضاء الوضوء ، فلا يكتفى فيه بأقل ما ينطلق عليه اسم المسح ، قياسا على غير الرأس من أعضاء الوضوء . وإذا بطل الأقل ثبت الربع ; لأن ما عدا الربع والأقل باطل باتفاق الخصمين .

فيقول الشافعي : الرأس عضو من أعضاء الوضوء ، فلا يقدر بالربع كغيره من أعضاء الوضوء .

فإن المعترض بهذا القلب أبطل مذهب المستدل صريحا .

مثال الثالث : قول الحنفي في صحة بيع الغائب : بيع الغائب عقد معاوضة ، فيصح مع الجهل بالعوض ، قياسا على النكاح .

فيقول الشافعي : بيع الغائب عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه خيار الرؤية قياسا على النكاح .

واشتراط الخيار لازم لصحة بيع الغائب ، وإذا انتفى اللازم ، انتفى الملزوم .

فإن المعترض بهذا القلب أبطل مذهب المستدل بالالتزام لا بالصريح ، فإنه أبطل لازم مذهبه ، فيلزم من إبطال لازم مذهبه إبطال مذهبه . والحق أن القلب نوع معارضة ، فإنه يوجب نقيض الحكم المدعى ، لا أنه وجب فيه أن يكون الأصل والجامع والفرع ما جعله [ ص: 240 ] المستدل أصلا وفرعا وجامعا ، فكان أولى بالقبول من المعارضة التي لا تكون كذلك ; لأن الاشتراك في الأصل والجامع والفرع أبلغ في المناقصة مما لم يكن كذلك ; لأنه يمنع المستدل من ترجيح أصله وجامعه على أصل القلب وجامعه للاتحاد ، بخلاف غيره من المعارضة .

وللقلب أقسام أخر غير ما ذكره المصنف :

منها : قلب الدعوى مع إضمار الدليل .

كما يقال : كل موجود مرئي .

فيقول القالب المعترض : كل ما ليس في جهة ، لا يكون مرئيا .

والوجود المذكور في الأول دليل الرؤية عند القائل الأول ، وكونه ليس في جهة في الثاني دليل امتناع الرؤية عند القائل الثاني ، وكل واحد من الدليلين مضمر في الدعوى .

ومنها : قلب الدعوى مع عدم إضمار الدليل ، مثل : شكر المنعم واجب لذاته .

فيقول القالب : شكر المنعم ليس بواجب لذاته .

ومنها : قلب الاستبعاد في الدعوى ، كقول الشافعي في مسألة الإلحاق : تحكيم الولد فيه تحكم بلا دليل .

[ ص: 241 ] فيقول المعترض من القالب : تحكيم القائل فيه أيضا تحكم بلا دليل .

ومنها قلب الدليل على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه ولا يدل له ، مثل قول المستدل : الخال وارث من لا وارث له .

فيقلب المعترض ويقول : إنه يدل على أن الخال لا يرث بطريق أبلغ ، فإن قوله : " لا وارث " سلب عام ، فكيف يكون الخال وارثا .

وذلك كقول القائل : الجوع زاد من لا زاد له ، والصبر حيلة من لا حيلة له .

واعلم أن التعريف الذي ذكرناه أولا للقلب لا يتناول هذه الأقسام ، بل يتناول الأقسام الثلاثة التي ذكرها المصنف فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية