صفحة جزء
ص - الخامس والعشرون : القول بالموجب .

وحقيقته تسليم الدليل مع بقاء النزاع ، وهو ثلاثة
:

الأول : أن يستنتجه ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه .

مثل : قتل بما يقتل غالبا ، فلا ينافي وجوب القصاص ، كحرقه . فيرد ; فإن عدم المنافاة ليس محل النزاع ولا يقتضيه .

الثاني : أن يستنتجه إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم .

[ ص: 242 ] مثل : التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص كالمتوسل إليه ، فيرد ، إذ لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضى .

والصحيح أنه مصدق في مذهبه ، وأكثر القول بالموجب كذلك ; لخفاء المأخذ بخلاف محال الخلاف .

الثالث : أن يسكت عن الصغرى غير مشهورة ، مثل : ما ثبت قربة ، فشرطه النية ، كالصلاة .

ويسكت عن ( والوضوء قربة ) فيرد ، ولو ذكرها لم يرد إلا المنع .

وقولهم : فيه انقطاع أحدهما ، بعيد في الثالث لاختلاف المرادين .

وجواب الأول بأنه محل النزاع أو مستلزم ، كما لو قال : لا يجوز قتل المسلم بالذمي ، فيقال بالموجب لأنه يجب .

فيقول : المعنى بـ " لا يجوز " تحريمه ، ويلزم نفي الوجوب .

[ ص: 243 ] وعن الثاني بأنه المأخذ ، وعن الثالث بأن الحذف سائغ .


ش - الاعتراض الخامس والعشرون : القول بالموجب ، وحقيقته : تسليم دليل المستدل مع بقاء النزاع ، وهو ثلاثة أقسام :

الأول : أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهم أنه محل النزاع ، ولا يكون كذلك ، مثل قول الشافعي في القتل بالمثقل : قتل بما يقتل غالبا ، فلا ينافي وجوب القصاص ، قياسا على القتل بالحرق .

فيرد القول بالموجب بأن يقول المعترض بموجب هذا الدليل ، وهو أن القتل بالمثقل لا ينافي وجوب القصاص لكن عدم المنافاة ليس محل النزاع ، ولا يقتضيه محل النزاع ، أي لا يكون ملازما لمحل النزاع ; إذ لا يلزم من عدم المنافاة بين الشيئين كون أحدهما ملازما للآخر .

الثاني : أن يستنتج المستدل من الدليل إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم ، ولا يكون كذلك ، مثل قول الشافعي في القتل بالمثقل : التفاوت في الوسيلة [ ص: 244 ] لا يمنع وجوب القصاص ، كالتفاوت في المتوسل إليه ، فيظن المستدل أن مأخذ عدم وجوب القصاص عند الخصم تفاوت الوسيلة . فيرد القول بالموجب بأن يقول المعترض بموجب الدليل ، وهو أن التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص عندي أيضا ، ولكن لم يلزم وجوب القصاص ; إذ لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط ووجود المقتضي ، ووجوب القصاص يتوقف على كل ذلك .

والصحيح أن المعترض مصدق في مذهبه بأن ما ذهب إليه المستدل ليس مأخذ المعترض ، فإنه أعرف بمذهبه ومذهب إمامه . وقيل : لا يصدق إلى أن يظهر مأخذه ، لجواز أن يكون ما ذكره المستدل مأخذ المعترض ، إلا أنه لا يقول به للعناد .

وأكثر القول بالموجب كذلك ، أي يكون من باب غلط المأخذ لخفاء المأخذ ، فإن مدرك حكم المجتهد كثيرا ما يخفى ، بخلاف محل الخلاف ، والحكم هو المختلف فيه ، فإنه لا يخفى . ولهذا يشترك العوام مع الخواص في معرفة الأحكام دون المدارك .

الثالث : أن يذكر المستدل كبرى القياس ويسكت عن الصغرى ، والحال أن الصغرى غير مشهورة .

[ ص: 245 ] مثل قول الشافعي في اشتراط النية في الوضوء : ما ثبت قربة فشرطه النية ، قياسا على الصلاة . ويسكت عن الصغرى ، وهي قوله : الوضوء قربة .

فيرد المعترض بأن يقول بموجب الكبرى ، ولكن لا ينتج الكبرى وحدها .

ولو ذكر المستدل الصغرى ، لم يرد إلا منع الصغرى بأن يقول المعترض : لا نسلم أن الوضوء قربة .

وقول الأصوليين في القول بالموجب : يلزم انقطاع المستدل أو المعترض في القسم الثالث من القول بالموجب ، بعيد لاختلاف مراد المستدل ومراد المعترض ، إذ مراد المستدل أن الصغرى ، وإن كانت محذوفة لفظا ، فهي مذكورة تقديرا ، والمجموع يفيد المطلوب .

ومراد المعترض أن المذكور هو الكبرى وحدها ، وهي لا تفيد المطلوب .

وجواب القسم الأول من القول بالموجب بأن ما لزم من الدليل هو محل النزاع ، أو مستلزم له ، وبيانه بالنقل المشهور ، كما لو قال الشافعي : لا يجوز قتل المسلم بالذمي ، فيقول الحنفي بالموجب بأن قتل المسلم بالذمي لا يجوز عندي ; لأنه يجب . فيقول المستدل بأن المعنى بـ ( لا يجوز ) : تحريم قتل المسلم بالذمي ، وتحريم قتل المسلم بالذمي مستلزم لنفي الوجوب .

[ ص: 246 ] والجواب عن القسم الثاني من القول بالموجب أن ما ذكرته هو المأخذ ، وبيانه استشهاره بين النظار .

والجواب عن القسم الثالث من القول بالموجب بأن حذف الصغرى جائز ، والدليل مجموع الصغرى والكبرى ، لا الكبرى وحدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية