صفحة جزء
[ ص: 281 ] الاستحسان .

ص - الاستحسان .

قال به الحنفية والحنابلة ، وأنكره غيرهم ، حتى قال الشافعي - رحمه الله : " من استحسن فقد شرع " .

ولا يتحقق استحسان مختلف فيه .

فقيل : دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسر عبارته عنه .

قلنا : إن شك فيه فمردود ، وإن تحقق فمعمول اتفاقا .

وقيل : هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى ، ولا نزاع فيه .

وقيل : تخصيص قياس بأقوى منه ، ولا نزاع فيه .

وقيل : العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى ، ولا نزاع فيه .

[ ص: 282 ] وقيل : العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس ، كدخول الحمام ، وشرب الماء من السقاء .

قلنا : مستنده جريانه في زمانه أو زمانهم مع علمهم من غير إنكار أو غير ذلك ، وإلا فهو مردود .

فإن تحقق استحسان مختلف فيه ، قلنا : لا دليل يدل عليه ، فوجب تركه .

قالوا : ( واتبعوا أحسن ) .

قلنا : أي الأظهر والأولى .

" وما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن " يعني الإجماع ، وإلا لزم العوام .


ش - الاستحسان مما ظن أنه دليل ، وليس كذلك .

قالت الحنفية والحنابلة : الاستحسان حجة .

وأنكره غيرهم ، حتى قال الشافعي - رضي الله عنه : " من استحسن فقد شرع " . أي فقد وضع شرعا جديدا .

[ ص: 283 ] ولا يتحقق استحسان مختلف فيه ; لأن الاستحسان الواقع في الكلام مما لا نزاع فيه ; لأنه لا كلام في صحة إطلاق لفظ الاستحسان على الواجب في بعض الصور ; لقوله : ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ) .

وعلى المندوب في بعضها ، كقول الشافعي : " أستحسن ترك شيء من نجوم الكتابة " .

وأما الاستحسان الغير الواقع في الكلام ، فقيل في تعريفه : إنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسر عبارته عنه .

قلنا : إن شك المجتهد في كونه دليلا ، فمردود بالاتفاق ، وإن تحقق كونه دليلا ، فلا بد من العمل به اتفاقا ، فلا يتحقق فيه خلاف .

وقيل في تعريفه : الاستحسان هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى ، ولا نزاع فيه أيضا ; لأنه يعمل به من كان القياس عنده حجة .

وقيل : هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه .

[ ص: 284 ] ولا نزاع فيه أيضا .

وقيل : العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى منه ، أي هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها لدليل هو أقوى ، ولا نزاع فيه أيضا .

وقيل : هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس ، كدخول الحمام من غير تقدير أجرة للحمام ، ومن غير تقدير مدة السكون ، وكشرب الماء من السقاء من غير تقدير أجر له .

قلنا : مستند هذا ليس هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة ، بل مستنده جريانه في زمان النبي - عليه السلام ، أو في زمان الصحابة مع علمهم من غير إنكار . وإلا أي وإن لم يجر في زمانه أو زمانهم ، أو جرى ولم يكونوا عالمين به ، أو كانوا عالمين به وأنكروا عليه ، فهو مردود .

فقد ثبت أن الاستحسان في الصور التي ذكرناها مما لا نزاع فيه .

[ ص: 285 ] فإن تحقق استحسان مختلف فيه في غير هذه الصور ، قلنا : لا دليل يدل على كونه حجة ، فوجب تركه ، والقائلون بكون الاستحسان حجة ، احتجوا بقوله - تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) . فإنه أمر فيه باتباع الأحسن ، والأمر للوجوب .

أجاب بأن المراد بالأحسن : الأظهر والأولى .

[ ص: 286 ] وقوله - عليه السلام : " ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن " . المراد منه : ما أجمع عليه ، وإلا لزم أن يكون ما رآه العوام حسنا ، فهو حجة ، وليس كذلك بالاتفاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية