صفحة جزء
ص - لا يقال : الظن ينتفي بالعلم ; لأنا نقطع ببقائه ; ولأنه كان يستحيل ظن النقيض مع ذكره .

فإن قيل : مشترك الإلزام ; لأن الإجماع على وجوب اتباع الظن . فيجب الفعل أو يحرم قطعا ، قلنا : الظن متعلق بأنه الحكم المطلوب ، والعلم بتحريم المخالفة ، فاختلف المتعلقان ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط تحريم المخالفة .

فإن قيل : فالظن متعلق بكونه دليلا ، والعلم بثبوت مدلوله ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط ثبوت الحكم .

قلنا : كونه دليلا حكم أيضا ، فإذا ظنه علمه ، وإلا جاز أن يكون المتعبد به غيره ، فلا يكون كل مجتهد مصيبا .


ش - هذا إيراد على الملازمة المذكورة في الدليل الثاني .

توجيهه أن يقال : الملازمة إنما تتم أن لو كان استمرار القطع مشروطا ببقاء الظن ، وهو ممنوع ; لأن الظن ينتفي بالعلم ضرورة [ ص: 313 ] انتفاء احتمال النقيض عند عدم احتمال النقيض . فلا يمكن اجتماع الظن مع العلم ، وما لا يمكن اجتماعه مع الشيء ، لا يكون شرطا له .

أجاب عنه بوجهين :

الأولى : أنا نقطع ببقاء الظن عند بقاء الإصابة الموجبة لاستمرار القطع ، فلا يمكن منعه .

الثاني : أنه لو انتفى ظن الشيء بالعلم ، لكان يستحيل ظن نقيض الشيء مع ذكره ، أي مع ذكر الحكم لأجل العلم ، فإنه عند ظن نقيض الشيء يكون الشيء موهوما ، وإذا كان الظن ينتفي بالعلم ، فبالحري أن ينتفي الوهم اللازم لظن نقيض الشيء بالعلم . فيستحيل ظن النقيض مع ذكر الحكم ; لأجل العلم بالحكم ، لكنه لا يستحيل ظن النقيض مع ذكر الحكم للإجماع على أنه يجوز ظن نقيض الحكم عند ذكر الحكم .

فإن قيل : ما ذكرتم من لزوم اجتماع النقيض مشترك الإلزام ، فإنه كما يلزم اجتماع النقيضين على مذهب تصويب الكل ، يلزم اجتماعهما على تصويب الواحد ، وذلك لأن الإجماع منعقد على أن المجتهد إذا ظن وجوب الفعل أو حرمته ، وجب اتباع ظنه ، فيلزم وجوب الفعل أو حرمته قطعا مع كونه ظانا بالوجوب أو الحرمة . فيلزم أن يكون الشيء [ ص: 314 ] الواحد معلوما مظنونا في زمان واحد .

أجاب عنه بأنه لم يلزم كون الشيء الواحد معلوما مظنونا .

وذلك لأن الظن يتعلق بأن الوجوب أو الحرمة هو الحكم المطلوب ، والعلم يتعلق بتحريم مخالفة ذلك الظن ، فاختلف المتعلقان .

قوله : " فإذا تبدل الظن ، زال شرط المخالفة " إشارة إلى جواب دخل .

توجيهه أن يقال : متعلق العلم أو الظن واحد ، وذلك لأنه إذا تبدل ظن الحكم ، زال العلم بتحريم مخالفته ، وهذا يدل على أن متعلقهما واحد .

أجاب بأن الظن شرط العلم بتحريم المخالفة ، فإذا تبدل الظن ، زال شرط العلم بتحريم المخالفة ، فيزول العلم بتحريم المخالفة لزوال شرطه ، لا لأن متعلقهما واحد .

فإن قيل : على تقدير تصويب الكل لم يلزم اجتماع النقيضين ; فإن متعلق العلم والظن مختلف ; لأن الظن متعلق بكون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا ، والعلم متعلق بثبوت مدلوله ، وهو الحكم ، فاختلف المتعلقان .

[ ص: 315 ] وزوال العلم عند تبدل الظن لا يوجب كون المتعلقين واحدا ; لأن الظن شرط العلم ، وتبدل الشرط يوجب زوال المشروط ، كما قررتم .

أجاب بأن كون الدليل الذي أقامه المجتهد على الحكم دليلا ، هو أيضا حكم ، فإذا ظنه ، لزم أن يكون معلوما ; لأنه لو لم يكن معلوما ، لجاز أن يكون المتعبد به غيره ، فلا يكون كل مجتهد مصيبا ، وحينئذ يلزم أن يكون الدليل دليلا معلوما مظنونا في حالة واحدة وهو محال .

التالي السابق


الخدمات العلمية