صفحة جزء
[ ص: 352 ] ص - ( مسألة ) : تقليد في العقليات ، كوجود الباري تعالى .

وقال العنبري بجوازه .

وقيل : النظر فيه حرام .

لنا : الإجماع على وجوب المعرفة .

والتقليد لا يحصل ; لجواز الكذب ; ولأنه كان يحصل بحدوث العالم وقدمه ; ولأنه لو حصل ، لكان نظريا . ولا دليل .


ش - اختلفوا في جواز التقليد في العقليات ، أي في المسائل الأصولية المتعلقة بالاعتقاد ، كوجود الباري وصفاته .

والمختار أنه لا تقليد في العقليات .

وقال العنبري : يجوز التقليد فيها .

وقيل : الواجب في مثل هذه العقليات التقليد ، والنظر فيه حرام .

واحتج المصنف على المختار بأن الإجماع منعقد على وجوب معرفة الله - تعالى ، وما يجوز عليه من الصفات ، وما لا يجوز .

[ ص: 353 ] والتقليد لا يحصل المعرفة لثلاثة وجوه :

الأول : أنه يجوز كذب المقلد ; لأنه ليس بمعصوم . وحينئذ لا يكون آتيا بالواجب . فلو جاز التقليد في المعرفة ، لجاز ترك الواجب .

الثاني : لو كان التقليد يحصل المعرفة ، لكان يحصل المعرفة بحدوث العالم إذا قلد القائل به . ويحصل المعرفة بقدم العالم إذا قلد القائل به ، فيلزم حدوث العالم وقدمه ، وهو محال .

الثالث : أن التقليد لو حصل المعرفة ، لكان تحصيل التقليد المعرفة بالنظر .

والتالي باطل .

أما الملازمة ; فلأنه لو كان يحصل المعرفة بالضرورة ، لما اختلف فيه ، ولاشترك الجميع فيه ، وليس كذلك .

وأما انتفاء التالي ; فلأن النظر لا يحصل إلا على دليل ، والأصل عدمه .

قيل على الوجه الأول : إنه يلزم مثله إن لم يجوزه بالتقليد ، لاحتمال خطأ الناظر .

ويمكن أن يجاب عنه بأن خطأ الناظر إنما يحتمل إذا لم يراع القانون المميز بين النظر الصحيح والفاسد .

[ ص: 354 ] أما عند مراعاته ، فلا يحتمل .

وعلى الوجه الثاني : أن النظر أيضا قد يفضي مرة إلى القدم ومرة إلى الحدوث ، فلو كان المعرفة بالنظر ، يلزم اجتماع النقيضين . ويمكن أن يجاب عنه بمثل ما أجاب عن الأول .

وعلى الثالث : أنه كما احتاج التقليد في إفادة المعرفة إلى النظر ، احتاج النظر أيضا في الإفادة إلى النظر .

ويمكن أن يجاب بأن النظر ، وإن احتاج في كونه مفيدا للمعرفة إلى النظر ، لكن دل دليل على كونه مفيدا .

بخلاف التقليد ، فإنه لم يدل دليل على كونه مفيدا للمعرفة .

والحق أن حصول اليقين في الإلهيات بالنظر صعب جدا ، إلا أنه قد يحصل اليقين بالنظر ، ولا يحصل اليقين من التقليد أصلا ، فالنظر أولى من التقليد .

التالي السابق


الخدمات العلمية