صفحة جزء
ص - المتن .

النهي على الأمر ، والأمر على الإباحة على الصحيح .

والنهي بمثله على الإباحة ، والأقل احتمالا على الأكثر ، والحقيقة على المجاز ، والمجاز على المجاز بشهرة مصححه أو قوته ، أو قرب جهته أو رجحان دليله أو شهرة استعماله ، والمجاز على المشترك على الصحيح كما تقدم ، والأشهر مطلقا ، واللغوي المستعمل شرعا على الشرعي ، بخلاف المنفرد الشرعي ، وبتأكيد الدلالة ، ويرجح في الاقتضاء بضرورة الصدق على ضرورة وقوعه شرعا ، وفي الإيماء بانتفاء العبث أو الحشو على غيره ، وبمفهوم الموافقة على المخالفة على الصحيح ، والاقتضاء على الإشارة ، وعلى الإيماء وعلى المفهوم ، وتخصيص العام على تأويل الخاص لكثرته ، والخاص ولو من وجه ، والعام لم يخصص على ما خص . والتقييد كالتخصيص ، والعام الشرطي على النكرة [ ص: 384 ] المنفية وغيرها . والمجموع باللام ومن وما على الجنس باللام ، والإجماع على النص ، والإجماع على ما بعده في الظني .


ش - لما فرغ من الترجيح بأمور عائدة إلى السند ، شرع في الترجيح بأمور تعود إلى المتن .

فالنهي يرجح على الأمر ; لأن المقصود من الأمر حصول المصلحة ، ومن النهي دفع المفسدة ، والاهتمام بدفع المفسدة أشد من الاهتمام بحصول المصالح ; ولأن محامل النهي ، وهي الحرمة أو الكراهة ، أقل من محامل الأمر ، وهي الوجوب والندب والإباحة . وكلما كان المحامل أقل ، كان أبعد عن الاضطراب .

والأمر يرجح على الإباحة على المذهب الصحيح لاحتمال الضرر على تقدير الترك لو قدم الإباحة ، بخلاف العكس ; لأنه لو قدم الأمر ، لم يحتمل الضرر ; لأنه لم يجز تركه .

ومن رجح الإباحة على الأمر ، نظر إلى أن الأمر احتمل عدة معان ، بخلاف الإباحة ، فكانت الإباحة أقل احتمالا ، فيرجح على الأمر لقلة الاحتمال .

[ ص: 385 ] ويرجح النهي على الإباحة بمثل ما قيل في ترجيح الأمر على الإباحة ، ويرجح الأقل احتمالا على الأكثر احتمالا لما مر .

وما كان ألفاظه حقيقة راجحة على ما كانت ألفاظه مجازا ; لأن الحقيقة مستقلة بالإفادة ، دون المجاز ، فإنه يحتاج إلى القرينة ، والمجاز يرجح على المجاز بسبب شهرة مصحح ذلك المجاز .

وذلك بأن تكون العلاقة بينه وبين الحقيقة أشهر من العلاقة بين المجاز الآخر والحقيقة ، مثل : أن يكون أحدهما من باب المشابهة ، والآخر من باب اسم المتعلق على المتعلق .

أو بقوة مصححه ، بأن يكون مصحح أحد المجازين أقوى من مصحح الآخر ، كإطلاق اسم الكل على الجزء وبالعكس ، فإن العلاقة المصححة في الأول أقوى من العلاقة المصححة في الثاني ، أو بقرب جهة أحد المجازين إلى الحقيقة ، كحمل نفي الذات على نفي الصحة ، فإنه أقرب إليه من نفي الكمال ، أو يكون دليل أحد المجازين راجحا على دليل المجاز الآخر .

[ ص: 386 ] وذلك بأن تكون القرينة الصارفة في أحدهما قطعية ، وفي الآخر غير قطعية .

أو يكون أحد المجازين مشهور الاستعمال والآخر غير مشهور ، ويرجح المجاز على المشترك على المذهب الصحيح ، كما تقدم في بحث المجاز ، ويرجح الأشهر مطلقا على غير الأشهر .

وإنما قال : مطلقا ; ليتناول الترجيح بين الحقيقتين إذا كانت إحداهما أشهر ، والترجيح بين الحقيقة والمجاز إذا كان المجاز أشهر من الحقيقة .

وفي رجحان المجاز الأشهر على الحقيقة نظر ; لأن المجاز وإن كان أشهر ، لكنه على خلاف الأصل . والحقيقة وإن كانت أقل شهرة ، لكنها ترجح بأنها الأصل .

ويرجح اللفظ اللغوي المستعمل شرعا في مفهومه اللغوي على المنقول الشرعي ; لأن الأصل موافقة الشرع اللغة ، وهذا بخلاف المنفرد ، وهو أن يكون اللفظ مستعملا في اللغة لمعنى ، وفي الشرع لمعنى آخر ، فإن المعهود من الشرع إطلاق اللفظ في مفهومه الشرعي .

[ ص: 387 ] ويرجح أحد المتعارضين بتأكيد الدلالة ، مثل : أن يكون أحد المتعارضين خاصا عطف على عام تناوله ، والمعارض الآخر خاصا ليس كذلك ، فإن الخاص المعطوف على العام آكد دلالة بدلالة العام عليه ، مثل قوله - تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .

ويرجح في الاقتضاء ما يتوقف عليه ضرورة الصدق ، مثل : " رفع عن أمتي الخطأ " على ما يتوقف عليه ضرورة وقوعه شرعا أو عقلا . مثل : أعتق عبدك عني ، أو صعدت السطح ; لأن ما يتوقف عليه صدق المتكلم أولى مما يتوقف عليه وقوعه الشرعي أو العقلي ، نظرا إلى بعد الكذب في كلام الشارع .

ويرجح في الإيماء ما لولاه ، لكان في الكلام عبث وحشو على غيره من أقسام الإيماء . مثل أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا لو لم يعلل الحكم به ، لكان ذكره عبثا أو حشوا . فإنه يقدم على الإيماء بما رتب فيه الحكم بفاء التعقيب ; لأن نفي العبث والحشو من كلام الشارع أولى .

ويرجح أحد المتعارضين في المفهوم بمفهوم الموافقة ، فإن مفهوم الموافقة راجح على مفهوم المخالفة على المذهب الصحيح ; لأن دلالة اللفظ على مفهوم الموافقة أظهر من دلالته على مفهوم [ ص: 388 ] المخالفة ، ولذلك لم يقل بمفهوم المخالفة بعض من قال بمفهوم الموافقة .

ويرجح الاقتضاء على الإشارة وعلى الإيماء وعلى المفهوم ، أما ترجيحه على الإشارة ، فلأن الاقتضاء مقصود بإيراد اللفظ صدقا أو حصولا ، ويتوقف الأصل عليه ، بخلاف الإشارة ، فإنها لم تقصد بإيراد اللفظ ، وإن توقف الأصل عليها .

وأما ترجيحه على الإيماء ، فلأن الإيماء وإن كان مقصودا بإيراد اللفظ ، لكنه لم يتوقف الأصل عليه ، وأما ترجيحه على المفهوم ، فلأن الاقتضاء مقطوع بثبوته ، والمفهوم مظنون ثبوته ، ولذلك لم يقل بالمفهوم بعض من قال بالاقتضاء .

ويرجح تخصيص العام على تأويل الخاص ; لأن تخصيص العام كثير ، وتأويل الخاص ليس بكثير ; ولأن الدليل لما دل على عدم إرادة البعض ، تعين كون الباقي مرادا ، وإذا دل على أن الظاهر الخاص غير مراد ، لم يتعين هذا التأويل .

[ ص: 389 ] ويرجح الخاص على العام ، ويرجح الخاص من وجه على العام مطلقا ; لأن الخاص أقوى دلالة من العام ، فكذا كل ما هو أقرب منه .

ويرجح العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص ; لأن العام بعد التخصيص اختلف في كونه حجة ، بخلاف العام الباقي على مفهومه .

وحكم المقيد والمطلق حكم الخاص والعام ، ويرجح العام الشرطي ، كمن وما ، على النكرة في سياق النفي ، وعلى غيرها ، كالمحلى باللام ; لأن إلغاء العام الشرطي يوجب إلغاء السببية الحاصلة بالشرط أيضا ، وإلغاء العام الغير الشرطي لا يوجب - غير إلغائه - مفسدة أخرى ، فكان أولى .

ويرجح المجموع المحلى باللام ، ومن وما ، على الجنس المحلى باللام ; لأن الجنس المحلى باللام اختلف المحققون في عمومه ، بخلاف المجموع باللام ومن وما .

ويرجح الإجماع على النص ; لعدم قبول الإجماع النسخ .

ويرجح الإجماع الظني على إجماع آخر ظني وقع بعده ; لقرب الأول من عهد الرسول ، وهو يوجب قوة الظن .

التالي السابق


الخدمات العلمية