صفحة جزء
[ ص: 287 ] ص - الأحكام لا يحكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله تعالى .

ويطلق لثلاثة أمور إضافية : لموافقة الغرض ومخالفته ، ولما أمرنا بالثناء عليه والذم ، ولما لا حرج [ فيه ] ومقابله . وفعل الله تعالى حسن بالاعتبارين الأخيرين .

وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة : الأفعال حسنة وقبيحة لذاتها . [ فالقدماء ] : من غير صفة . وقوم : بصفة . وقوم : بصفة في القبيح . والجبائية : بوجوه واعتبارات .


ش - لما فرغ المصنف عن ذكر ما يستمد منه من اللغة ، شرع فيما يستمد منه من الأحكام ، ورتب الكلام فيها على أربعة أصول ; لأن الحكم يستدعي حاكما ومحكوما عليه ، ومحكوما به .

الأول في الحاكم . [ ص: 288 ] اعلم أن عند أصحابنا أن العقل لا يحكم في فعل تعلق حكم الله به ، أي فعل المكلفين بأن ذلك الفعل حسن أو قبيح .

وعندهم يطلق الحسن والقبح على ثلاثة أمور إضافية : أحدها المشهور ، وهو أن الفعل إذا كان موافقا لغرض الفاعل ، فهو الحسن . وإن كان مخالفا لغرضه فهو القبيح . ونعني بالغرض ما لأجله يصدر الفعل من الفاعل المختار . فعلى هذا إذا كان الفعل موافقا لشخص ومخالفا لآخر فهو حسن بالنسبة إلى من يوافقه ، وقبيح بالنسبة إلى من يخالفه ، فيكون إضافيا .

الثاني : أنه يطلق الحسن لفعل أمرنا من جهة الشرع بالثناء على فاعله ، والقبح لفعل أمرنا من جهة الشرع بالذم لفاعله . وهذا أيضا يختلف باختلاف ورود الشرع في الأفعال ، فيكون أيضا إضافيا .

الثالث : أنه يطلق الحسن لفعل لا حرج على فاعله في الإتيان به ، والقبيح لفعل في الإتيان به حرج على فاعله . ولا يخفى أن ذلك أيضا مما يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص ، فيكون أيضا إضافيا .

وفعل الله تعالى لا يكون حسنا بالاعتبار الأول ; لأن الله تعالى منزه عن أن يكون فعله لغرض . وهو حسن بالاعتبارين الأخيرين .

[ ص: 289 ] أما بالاعتبار الثاني ; فلأنه أمر الشارع بالثناء على فاعله . وأما بالاعتبار الثالث ; فلأنه لا حرج في فعله .

والحسن بالتفسير الثاني يتناول الواجب والمندوب ; لأن كل واحد منهما أمرنا الشارع بالثناء على فاعله . ولا يتناول المباح ; لأنه لم يأمر الشارع بالثناء على فاعله .

وبالتفسير الثالث يتناول المباح والمكروه أيضا ; لأن كلا منهما لا حرج في فعله .

والقبيح بالتفسيرين الأخيرين يختص بالحرام ; لأنه أمر الشارع بالذم لفاعله ، وفي فعله حرج . ولا يتناول المباح والمكروه ; لأنه [ لم يأمر ] الشرع بالذم لفاعلهما ولا حرج في فعلهما . فالمكروه والمباح لا يكون واحد منهما حسنا ولا قبيحا [ بالتفسير الثاني ] .

واعلم أنه لا نزاع في أن الحسن والقبح بالتفسير الأول عقلي . وإنما النزاع في الحسن والقبح بالتفسيرين الأخيرين .

والأصحاب قالوا : إن كون الفعل متعلق المدح أو الذم عاجلا أو آجلا . وكونه على وجه فيه حرج أو ليس ، لا يثبت إلا بالشرع ، ولا استقلال للعقل فيه .

[ ص: 290 ] وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة : الأفعال حسنة لذاتها ، قبيحة لذاتها . فمنها : ما يهتدي العقل إلى حسنه وقبحه بالضرورة ، كحسن إنقاذ الغرقى وقبح الكذب الذي لا نفع فيه .

ومنها : ما يدركه العقل بالنظر والاستدلال ، كحسن الصدق الذي فيه ضرر ، وقبح الكذب الذي فيه منفعة .

ومنها ما يدركه العقل بالسمع . كحسن الصلاة والحج . والشارع كاشف للحسن والقبح ، لا موجب لهما .

ثم إن القائلين بالحسن والقبح الذاتيين اختلفوا ، فقالت القدماء : ليس في الفعل صفة تقتضي حسنه أو قبحه ، بل الفعل يقتضي لذاته أحدهما .

[ ص: 291 ] وقال بعض المتأخرين : إن حسن الفعل وقبحه لأجل صفة زائدة على الفعل لازمة له تقتضي تلك الصفة اللازمة حسن الفعل أو قبحه .

مثلا الزنا قبيح ; لأنه مشتمل على مفسدة اختلاط النسب المفضي إلى ترك تعهد الأولاد . والصوم حسن ; لأنه مكسر للقوة الشهوانية الباعثة على المفسدة .

وقال بعضهم : إن الفعل القبيح متصف بصفة توجب قبحه دون الفعل الحسن ; فإنه لذاته يقتضي الحسن ; لأن الفعل إن كان فيه ما يكون مؤديا إلى المفسدة يكون قبيحا ، وإلا فحسنا .

وقال أبو علي الجبائي وأتباعه : إن الأفعال حسنة وقبيحة بوجوه واعتبارات ، كالمواقعة بين شخصين بلا نكاح ولا ملك ، فإنه إذا تحقق الاشتباه من الجانبين يكون حسنا بهذا الاعتبار ، وإذا لم يتحقق الاشتباه أصلا ، كان قبيحا بهذا الاعتبار ، وإذا تحقق الاشتباه من جانب دون آخر فهو حسن في حق من اشتبه عليه ، قبيح في حق من لم يشتبه عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية