صفحة جزء
ص - لنا : لو كان ذاتيا - لما اختلف ، وقد وجب الكذب إذا كان فيه عصمة نبي ، والقتل والضرب وغيرها .

[ ص: 292 ] وأيضا لو كان ذاتيا - لاجتمع النقيضان في صدق من قال : لأكذبن غدا ، وكذبه .


ش - لما فرغ من تحرير المبحث ، احتج بالدليلين على أن الحسن والقبح ليسا بذاتيين للفعل .

الأول : لو كان الفعل يقتضي الحسن أو القبح لذاته أو لوصف هو مقتضى ذاته ، لما اختلف ، أي لما صار الفعل الحسن قبيحا وبالعكس . والتالي باطل ، فالمقدم مثله .

بيان الملازمة أن طبيعة الفعل إذا اقتضى الحسن لذاته أو لوصف هو مقتضاه ، لتحقق الحسن عند تحقق الفعل ; لأن مقتضى الذات لا يتخلف عنها . ولو كان كذلك امتنع أن يصير قبيحا .

وأما بطلان التالي; فلأن الكذب قد يكون حسنا . وذلك حيث يكون متضمنا لعصمة نبي .

وكذلك القتل والضرب . وذلك حيث يكون القتل للقصاص والضرب للحد .

الثاني أنه لو كان الحسن والقبح ذاتيين للفعل ، لاجتمع النقيضان في صدق قول من قال : لأكذبن غدا ، وكذا في كذبه ، والتالي باطل فالمقدم مثله .

بيان الملازمة أنه إذا قال : لأكذبن غدا ، فلا يخلو إما أن يكذب غدا أو يصدق .

[ ص: 293 ] فإن كان الأول يلزم قبحه لكونه كذبا ، وحسنه أيضا لكونه مستلزما لصدق الخبر الأول . والمستلزم للحسن حسن ، فيجتمع في الخبر الثاني الحسن [ واللا حسن ، ] وهو اجتماع النقيضين .

وإن كان الثاني يلزم أيضا حسن الخبر الثاني من حيث إنه صدق ، وقبحه من حيث إنه مستلزم لكذب الخبر الأول فيلزم اجتماع النقيضين .

واعلم أن الدليلين يدلان على إبطال مذهب القدماء . ومذهب القائلين بكون الفعل لصفة [ ذاتية ] تقتضي الحسن أو القبح .

ولا يدلان على إبطال مذهب الجبائية . وقيل على الأول لا نسلم انتفاء التالي . وذلك لأن عصمة النبي قد تحصل بدون الكذب بأن تأتي بصورة الإخبار من غير قصد إليه ، أو مع قصد إليه ولكن مع التعريض .

ثم لو قدر أنه لا يحصل عصمة النبي إلا مع الكذب ، فلا نسلم أن الكذب حسن ههنا . وكون عصمة النبي حسنا لا يستلزم حسن الكذب المؤدي إليه .

[ ص: 294 ] أجيب عنه بأن الإتيان بصورة الإخبار على وجه يفهم الخبر من غير قصد إلى الإخبار ، أمر لا يعقل ولا يتصور . ولأن فهم المعنى يتعلق بالإرادة والقصد .

وأما التعريض فربما لم يفد ، وحينئذ يتعين صريح الإخبار .

وأما قوله : " كون عصمة النبي حسنا لا يستلزم حسن الكذب المؤدي إليه " فباطل ; لأن ما لا يحصل الواجب إلا به فهو واجب عقلا عندهم .

وقيل على الأول أيضا : لم لا يجوز اقتضاء الشيء الأمرين المتنافيين بحسب شرطين متنافيين . فإن الجسم إذا كان في حيزه يقتضي السكون وفي غيره يقتضي الحركة .

وأجيب بأن محل النزاع هو أن الفعل لذاته ، أو لوصف لازم له ، يقتضي الحسن أو القبح . والشرطان المتنافيان يمتنع أن يكون كل واحد منهما وصفا لازما له ; لأن اللازم يمتنع انفكاك الشيء عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية