صفحة جزء
[ ص: 325 ] ص - الحكم قيل خطاب الله - تعالى - المتعلق بأفعال المكلفين . فورد مثل : والله خلقكم وما تعملون فزيد بالاقتضاء أو التخيير . فورد كون الشيء دليلا وسببا وشرطا . فزيد أو الوضع ، فاستقام .

وقيل بل هو راجع إلى الاقتضاء أو التخيير . وقيل ليس بحكم .


ش - الأصل الثاني في الحكم . وفيه مقدمة وإحدى عشرة مسألة . أما المقدمة ففي تعريف الحكم وأقسامه .

قيل في تعريفه : إنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين . والخطاب مصدر ، معناه توجيه ما أفاد في الاصطلاح نحو الحاضر أو من في حكمه . وأريد به ههنا ما وقع به الخطاب - ، وهو ما يقصد به إفهام من هو متهيئ للفهم .

[ ص: 326 ] فقوله : " الخطاب " كالجنس للحكم ، يتناول خطاب الله تعالى وخطاب الملك والبشر . وبإضافته إلى الله تعالى ، خرج عنه خطاب غيره .

وبقوله : " المتعلق بأفعال المكلفين " خرج مثل : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . فإنه خطاب الله تعالى ، لكن لم يتعلق بأفعال المكلفين .

وقد ورد على اطراد التعريف المذكور مثل : والله خلقكم وما تعملون ; فإنه يصدق الحد عليه ; لأنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، وليس بحكم .

فزيد على التعريف المذكور قولنا : " بالاقتضاء أو التخيير " فخرج عنه مثل : والله خلقكم وما تعملون; فإنه وإن كان خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، لكن لا بالاقتضاء أو التخيير ; فإنه لم يفهم منه طلب فعل أو ترك من المكلف أو تخييره في فعله وتركه .

فورد بسبب ازدياد قيد الاقتضاء أو التخيير على عكس الحد كون الشيء دليلا ، كدلوك الشمس للصلاة ، وسببا ، كالزنا لوجوب الحد ، أو شرطا ، كالوضوء للصلاة ، فإنها أحكام ولا يصدق الحد عليها ; لأنها وإن كانت متعلقة بأفعال المكلفين ، لم يكن فيها اقتضاء ولا تخيير .

[ ص: 327 ] والتزم بعض الأصوليين اختلال هذا التعريف لكون هذه الأمور أحكاما لا ترجع إلى الاقتضاء والتخيير ، فزاد على التعريف لفظة : " أو الوضع " فاستقام التعريف طردا وعكسا ; لأنه دخل في التعريف حينئذ ما خرج عنه عند عدم ذلك القيد .

وذلك لأن الله تعالى لما جعل الدلوك دليلا على وجوب الصلاة ، والزنا سببا لوجوب الحد ، والوضوء شرطا لصحة الصلاة ، كان كلها بوضعه تعالى ، فيدخل جميع ذلك بسبب كونه وضعيا تحت الحكم .

فإن قيل : الحد غير منعكس ; لأن بعض الأحكام - وهو الأحكام الثابتة بالسنة والإجماع والقياس - خارج عنه ; ضرورة كون الأول خطاب الرسول ، والثاني خطاب أهل الإجماع ، والثالث خطاب القائس .

أجيب عنه بأنا لا نسلم أنها مثبتة للحكم ، بل معرفات للأحكام ، والأحكام ثابتة قبلها ; لأنها قائمة بذات الله تعالى .

ومنع الآخرون اختلال التعريف بدون قيد الوضع ، وقالوا : لا حاجة إلى هذا القيد في استقامة التعريف .

[ ص: 328 ] فذهب فرقة منهم إلى أن ما هو من باب الوضع أحكام راجعة إلى الاقتضاء أو التخيير . وذلك لأن كون الدلوك دليلا على وجوب الصلاة ، وكون الزنا سببا لوجوب الحد ، راجعان إلى الوجوب ، وهو من الاقتضاء . وكون الوضوء شرطا لصحة الصلاة ، راجع إلى الإباحة ، وهو التخيير . فلا حاجة إلى قيد الوضع .

وذهب طائفة أخرى إلى أن ما هو من باب الوضع ليست بأحكام بل علامات لها . وذلك لأن المعنى من كون [ الدلوك ] دليلا على وجوب الصلاة ، أن وجوب الصلاة يظهر عند دلوك الشمس . وكذا سببية الزنا وشرطية الوضوء .

وإذا لم تكن هذه أحكاما ، فلو قيد الحد بالوضع لدخلت تحت الحكم فيلزم بطلان الحد : ضرورة دخول ما ليس من المحدود فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية