صفحة جزء
ص - قالوا : لو كان الواجب واحدا ، من حيث هو أحدها بعينه ، مبهما - لوجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها . فإن تعددا - لزم التخيير بين واجب وغير واجب . وإن اتحدا - لزم اجتماع التخيير والوجوب .

وأجيب بلزومه في الجنس وفي الخاطبين .

والحق أن الذي وجب لم يخير فيه ، والمخير فيه لم يجب لعدم التعيين . والتعدد يأبى كون المتعلقين واحدا . كما لو حرم واحدا وأوجب واحدا .


ش - هذا دليل آخر للمعتزلة على أن الواجب لا يكون واحدا من الأمور المتعددة من حيث هو واحد ، لا بعينه .

[ ص: 350 ] وتقريره أن يقال : لو كان الواجب واحدا من حيث هو أحدها لا بعينه مبهما ، لوجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها . والتالي باطل فالمقدم مثله .

أما الملازمة; فلأن الكلام في الواجب المخير [ فإذا كان الواجب المخير [ واحدا ، يكون المخير فيه واحدا .

وأما بيان انتفاء التالي ; فلأنه على تقدير صدق التالي يلزم أحد الأمرين : إما التخيير بين واجب وغير واجب ، وإما اجتماع التخيير والوجوب . وكل واحد منهما منتف ، فيلزم انتفاء التالي .

أما لزوم أحد الأمرين ; فلأن الواحد الذي هو الواجب لا يخلو إما أن يكون هو الواحد المخير فيه ، أو غيره .

فإن كان الثاني ، يلزم أن يكون التخيير بين واجب وغير واجب ; ضرورة كون الواحد المخير فيه غير الواحد الذي هو الواجب .

وإن كان الأول ، يلزم اجتماع التخيير والوجوب في شيء واحد .

وأما بيان انتفاء الأمر الثاني ; فلأنه لو ثبت التخيير بين واجب وغير واجب [ جاز ] أن يختار المكلف غير الواجب ، وغير الواجب يجوز تركه ، فيجوز أن [ لا يأتي ] المكلف بواحد منهما .

[ ص: 351 ] وأما بيان انتفاء الأمر الأول ; فلأن الوجوب ينافي التخيير ، ويمتنع اجتماع المتنافيين في شيء واحد .

أجاب المصنف عنه بأن ما ذكرتم لازم عليكم في صورة الأمر باعتناق واحد من جنس أرقائه .

وفي صورة تزويج البكر البالغة الطالبة للنكاح من أحد الخاطبين الكفوين . فإن الواجب إعتاق واحد لا بعينه ، وتزويجها من أحدهما لا بعينه .

وكل ما يكون جوابا عن هاتين الصورتين فهو الجواب عن صورة النزاع . ولما كان هذا المنع إلزاميا لم يقتنع به وأشار إلى ما هو الحق .

فقال : والحق أن الواجب والمخير ليسا بواحد ; فإن الذي وجب غير متعين ; لأنه واحد من الثلاثة من حيث هو واحد لا بعينه . وهو أمر كلي مشترك بينهما ، وهو غير مخير فيه . والمخير فيه معين ; لأن المخير فيه هو [ كل ] واحد من الثلاثة على التعيين ، وهو غير واجب .

هذا على تقدير أن يجعل قوله : " لعدم التعيين " متعلقا بقوله : " الذي وجب " .

وأما على تقدير أن يكون متعلقا بقوله : " والمخير فيه " فيمكن توجيهه على [ تعدد ] وهو أن يقال : الذي وجب متعين من حيث [ ص: 352 ] هو واحد ، لا تعدد فيه . والمخير فيه لا يكون معينا من حيث هو متعدد .

قوله : " والتعدد " إشارة إلى دليل آخر على أن الواجب والمخير فيه لا يتحدان .

وتوجيهه أن الوجوب والتخيير يتعددان . وتعدد المتعلقين يأبى أن يكون المتعلقان ، أي الواجب والمخير فيه واحدا . كما لو حرم الشارع واحدا ، وأوجب آخر . فإن تعدد الوجوب والحرمة يأبى أن يكون متعلقاهما - أي الواجب والحرام - واحدا . وإذا كان الواجب غير المخير فيه ، لم يجب أن يكون المخير فيه واحدا لا بعينه على تقدير أن يكون الواجب واحدا لا بعينه .

ولا يلزم من تعدد المخير فيه والواجب ، التخيير بين واجب وغير واجب ; لأن التخيير لا يكون بين الواجب الذي هو أحدها لا بعينه ، وبين غيره ، بل التخيير بين كل واحد من الثلاثة على التعيين ، وكل واحد منهما على التعيين غير واجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية