صفحة جزء
ص - ( مسألة ) : من أخر مع ظن الموت قبل الفعل ، عصى اتفاقا . فإن لم يمت ثم فعله في وقته - فالجمهور : أداء .

وقال القاضي : إنه قضاء . فإن أراد وجوب نية القضاء - فبعيد .

ويلزمه لو اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت - [ يعصي بالتأخير .

ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة - فالتحقيق لا يعصي . بخلاف ما وقته العمر .


ش - المسألة [ الثالثة ] فرع على ثبوت الواجب الموسع . القائلون بالواجب الموسع أجمعوا على أن المكلف لو أخر الواجب الموسع عن أول الوقت مع غلبة ظن الموت قبل الفعل ، لو لم يشتغل به ، [ ص: 364 ] عصى بتركه في أول الوقت اتفاقا ; لأنه قد تضيق الوقت بناء على ظنه وترك الواجب في وقته المضيق بلا عذر عصيان .

فإن لم يمت المكلف ، ثم فعل الواجب الموسع في آخر وقته ، [ فالجمهور على أنه أداء ; ] لأنه فعل في وقته المقدر له أولا [ شرعا ] .

وقال القاضي : يكون ما فعله في آخر الوقت قضاء ; لأنه قد تضيق الوقت بظنه ، فيكون وقوعه في الآخر وقوع الواجب بعد انقضاء وقته ، فيكون قضاء . والمصنف زيف قول القاضي بأنه إن أراد القاضي بكونه قضاء : وجوب نية القضاء ، فبعيد ; لأن القضاء ما يؤتى به خارج وقته المعين ; وهذا ليس كذلك ; لأنه قد كان قبل الظن وقتا للأداء ، والأصل بقاء الشيء على ما كان ; فلا تجب نية القضاء .

وأما قوله : قد تضيق الوقت عليه بظنه وقد خرج عن ذلك الوقت فيكون الفعل بعده قضاء ، فباطل ; لأن الظن البين خطؤه لا يؤثر .

ويمكن تقرير كلام المصنف على هذا الوجه . وهو أن يقال : إن أراد وجوب نية القضاء فبعيد ; لأن المختار جواز استعمال نية القضاء والأداء كل مكان الآخر . فوجوب نيته يكون بعيدا .

[ ص: 365 ] وللقاضي أن يقول : إنه قضاء بمعنى أنه وقع خارج وقته بناء على الظن المعتبر ; وذلك لأن الظن لو لم يكن معتبرا ، لم يكن عاصيا بتركه في أول الوقت ; لأن العصيان إنما هو بسبب ظنه . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

ويمكن أن يجاب عنه بأن الظن يعتبر ما لم يتبين خطؤه . فحينئذ يكون هذا الظن معتبرا قبل ظهور الخطأ ، فوجب العمل به ، فبتركه يكون عاصيا . وبعد ظهور الخطأ لم يعتبر ، فيكون الوقت غير مضيق .

ثم قال المصنف : ويلزم القاضي : لو اعتقد المكلف قبل دخول الوقت أن الوقت قد دخل ، وأنه إذا لم يشتغل به انقضى الوقت ، فعصى بالتأخير . أنه يكون ما فعله في وقته المقدر له شرعا بعد أن تبين خطأ اعتقاده ، قضاء ; لأنه حينئذ قد تضيق الوقت عليه بناء على اعتقاده .

فوقوعه بعد ذلك الوقت في وقته المقدر له شرعا يكون خارجا عن وقته المضيق على زعم القاضي .

وقال بعض الشارحين : إنه يرد على مذهب القاضي أن لا يعصي المكلف بترك الإتيان بالواجب في الباقي من الوقت ، وتأخيره عنه ; لأن القضاء وقته موسع ما لم يتعمد بالترك . ولا يعصي إذا لم يأت به في الوقت إذا ظن المكلف قبل الوقت دخوله وخروجه [ لو ] لم يشتغل به وليس كذلك ; فإنه لا يجوز له الترك والتأخير بالإجماع .

[ ص: 366 ] فإن كان مراد المصنف ما ذكرنا فلعله سقط من لفظه " أنه " [ عن ] أول قوله : " يعصي " وإن أراد غيره لم يتحقق .

ومن أخر مع ظن السلامة فمات فجأة في الوقت الموسع ، فالتحقيق أنه لا يعصي ; إذ الواجب الموسع يجوز تركه في أول الوقت مع عدم علمه بالعاقبة . وإذا كان تركه جائزا فكيف يعصي به . وأيضا أجمع السلف على عدم العصيان .

وقولهم إنما جوز التأخير بشرط سلامة العاقبة ، باطل ; لأن العاقبة مستورة عنه . فإذا سألنا وقال العاقبة مستورة ، وأريد تأخير الواجب الموسع عن أول الوقت ، فهل يجوز لي التأخير مع الجهل بالعاقبة ، أو أعصي بالتأخير ، فلا بد له من جواب .

فإن قلنا : لا يعصي ، فلم يأثم بالموت الذي ليس إليه . وإن قلنا : يعصي فهو خلاف مقتضى الواجب الموسع .

[ ص: 367 ] وإن قلنا : إن كان في علم الله تعالى أنك تموت قبل الفعل ، فأنت في الحال عاص بالتأخير . وإن كان في علمه تعالى أنك تعيش إلى الآخر ، فلك التأخير . فيقول : وما يدريني ماذا في علم الله تعالى ، وما فتواكم في حق الجاهل ؟ فلا بد في الحكم بالتحليل أو التحريم ، فلم يبق إلا أن يقول : يجوز بالتأخير بشرط أن يغلب على ظنه أنه يبقى بعد ذلك ، سواء بقي أو لم يبق .

وهذا بخلاف ما وقته العمر كالحج ، فإنه لو أخر مع ظن السلامة ومات يعصي بالتأخير ; لأن البقاء إلى سنة أخرى ليس بغالب إلى الظن .

ولهذا قال أبو حنيفة : لا يجوز تأخير الحج إلى سنة [ ص: 368 ] أخرى . وأما تأخير الصوم إلى شهر أو شهرين جائز ; لأنه لا يغلب على الظن الموت إلى هذه المدة .

والشافعي يرى البقاء إلى السنة الثانية غالبا على الظن في حق الشاب الصحيح دون الشيخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية