صفحة جزء
ص - ( مسألة ) : المندوب مأمور به . خلافا للكرخي والرازي .

لنا أنه طاعة . وأنهم قسموا الأمر إلى إيجاب وندب . [ ص: 393 ] قالوا : لو كان - لكان تركه معصية ; لأنها مخالفة الأمر ، ولما صح : " لأمرتهم بالسواك " . قلنا : المعنى أمر الإيجاب فيهما .


ش - لما فرغ من المسألتين المتعلقتين بالحرام ، شرع في أحكام المندوب وذكرها في مسألتين . المندوب لغة : المدعو لمهم ، من الندب وهو الدعاء . وفي الشرع : الفعل الذي تعلق به الندب .

واختلفوا في كون المندوب مأمورا به . فذهب الكرخي وأبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة إلى أنه غير مأمور به ، والباقون إلى أنه مأمور به ، وهو المختار عند المصنف ، وبين كونه مأمورا به بوجهين : [ ص: 394 ] أحدهما : أن المندوب طاعة ، وكل ما هو طاعة فهو مأمور به ، فالمندوب مأمور به .

أما الصغرى فبالإجماع . وأما الكبرى فلأن الطاعة تقابل المعصية ، والمعصية : مخالفة الأمر ، فالطاعة امتثال الأمر ; ولهذا يقال فلان مطاع الأمر فيكون مأمورا به .

الثاني أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وإلى أمر ندب . ومورد القسمة مشترك بين القسمين بالضرورة . وإذا كان كذلك يكون المندوب مأمورا به .

ولقائل أن يقول على الأول : إن أردتم بالطاعة : ما يتوقع الثواب على فعله ، فالصغرى مسلمة ، والكبرى ممنوعة; لأن الطاعة بهذا المعنى لا تقابل المعصية ; لأن تاركه لا يستحق الذم .

وإن أردتم بالطاعة فعل المأمور به ، فالكبرى مسلمة ، لكن الصغرى ممنوعة ; لأنه حينئذ يكون مصادرة على المطلوب .

وعلى الثاني أن المختار أن الأمر بالحقيقة للوجوب . فإذا أطلق على الندب [ كان ] مجازا . ونحن نمنع إطلاق المأمور به على المندوب بالحقيقة ، ونسلم إطلاقه عليه بالمجاز .

قال الكرخي والرازي ومن يحذو حذوهما : إن المندوب لا يكون مأمورا به لوجهين : [ ص: 395 ] أحدهما : أن المندوب لو كان مأمورا به لكان تركه معصية ; لأن المعصية : مخالفة الأمر ; لقوله تعالى : أفعصيت أمري لا يعصون الله ما أمرهم .

والتالي باطل وإلا لاستحق النار ; لقوله تعالى : ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ، فيلزم بطلان المقدم .

الثاني : أنه لو كان المندوب مأمورا به ، لما صح قوله - عليه السلام - : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " والتالي ظاهر الفساد ، فيلزم بطلان المقدم .

بيان الملازمة أن الحديث دل على سلب الأمر عن السواك ، فلو كان المندوب مأمورا به كان السواك - لكونه مندوبا بالاتفاق - مأمورا به ، فلا يكون سلب الأمر عنه صحيحا .

أجاب المصنف عن الوجهين بأن الأمر : الذي يكون مخالفته معصية ، والأمر المسلوب عن السواك أمر الإيجاب ، لا مطلق الأمر .

[ ص: 396 ] واعلم أن هذا البحث مبني على أن الأمر للوجوب ، أو للقدر المشترك بين الوجوب والندب . فإن كان الأول يلزم أن [ لا ] يكون المندوب مأمورا به . وإن كان الثاني يكون مأمورا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية