صفحة جزء
ص - وأما الصحة والبطلان أو الحكم بهما - فأمر عقلي ; لأنها إما كون الفعل مسقطا للقضاء ، وإما موافقة أمر الشرع . والبطلان والفساد نقيضها .

[ ص: 408 ] الحنفية : الفاسد : المشروع بأصله ، الممنوع بوصفه .


ش - اعلم أن ما هو من باب الوضع اختلفوا في كونه حكما شرعيا أم لا .

فقال قوم : خطاب الله تعالى كما يرد [ بالاقتضاء ] والتخيير ، فقد يرد لجعل الشيء سببا وشرطا ومانعا . فلله تعالى في الزاني حكمان : أحدهما وجوب الحد عليه . والثاني جعل الزنا سببا لوجوب الحد .

واختار المصنف هذا المذهب . فلهذا التزم وجوب ذكر الوضع في تعريف الحكم لاستقامته . وليس المراد من الحكم الوضعي كون الزنا مثلا سببا لوجوب الحد ، بل المراد حكم الشرع بكونه سببا ، أي معرفا لوجوب الحد . فتكون الأقسام الثلاثة المذكورة حكما وضعيا .

وأما الصحة والبطلان ، فقيل : إنهما من باب الوضع ; لأنهما من الأحكام وليست داخلة في الاقتضاء والتخيير ; لأن الحكم بصحة العبادة وبطلانها ، وكذا بصحة المعاملات وبطلانها لا يفهم منه اقتضاء ولا تخيير .

وقال آخرون : الصحة معناها : الإباحة . والبطلان معناه : الحرمة .

[ ص: 409 ] وذهب المصنف إلى أن الصحة والبطلان ، أو الحكم بالصحة والبطلان أمر عقلي ، غير مستفاد من الشرع ، فلا يكون داخلا في الحكم الشرعي .

وإنما قلنا : إنها أمر عقلي ; لأن الصحة في العبادة إما كون الفعل مسقطا للقضاء ، كما هو مذهب الفقهاء ، أو موافقته لأمر الشريعة ، كما هو مذهب المتكلمين . فصلاة من ظن أنه متطهر ، ثم تبين خطؤه غير صحيحة على الأول ; لعدم [ سقوط ] القضاء ، وصحيحة على الثاني ; لكونها متوافقة لأمر الشرع . ولا شك أن العبادة إذا اشتملت على أركانها وشرائطها حكم العقل بصحتها بكل من التفسيرين ، سواء حكم الشارع بها أو لا .

وأما الصحة في المعاملات فلم يتعرض المصنف لها . ويمكن أن يقال : [ إنها أيضا ] أمر عقلي ; لأن الصحة في المعاملات : كون الشيء بحيث يترتب عليه أثره . وإذا كان الشيء مشتملا على الأسباب والشرائط وارتفاع الموانع ، حكم العقل بترتب أثره عليه ، سواء حكم الشرع بها أو لم يحكم .

والبطلان والفساد عندنا نقيض الصحة . فهما مترادفان .

[ ص: 410 ] وقالت الحنفية : الفاسد قسم متوسط بين الصحيح والباطل . فالصحيح ما شرع بأصله ووصفه . والباطل ما لم يشرع بأصله ووصفه ، كبيع الملاقيح . والفاسد ما شرع بأصله ولم يشرع بوصفه .

كعقد الربا فإنه مشروع من حيث إنه بيع ، وممنوع عنه من حيث إنه يشتمل على وصف الزيادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية