صفحة جزء
ص - لنا : لو لم يصح - لم يعص أحد أبدا ; لأنه لم يحصل شرط وقوعه من إرادة قديمة أو حادثة .

وأيضا : لو لم يصح - لم يعلم تكليف ; لأنه بعده ، ومعه ينقطع ، وقبله لا يعلم . فإن فرضه متسعا ، فرضناه زمنا زمنا ، فلا يعلم أبدا . وذلك باطل .

وأيضا : لو لم يصح - لم يعلم إبراهيم وجوب الذبح . والمنكر معاند .


ش - لما فرغ عن تحرير محل النزاع شرع في إثبات ما هو الحق عنده ، وهو صحة التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه . وبينه بثلاثة وجوه : [ ص: 445 ] الأول : لو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ، لم يعص أحد من المكلفين أبدا بترك فعل من الأفعال . والتالي باطل بالإجماع فيلزم بطلان المقدم .

بيان الملازمة أن وقوع كل فعل من الأفعال مشروط بإرادة قديمة - وهي الإرادة القائمة بذات الله تعالى - كما هو مذهب الجماعة أو بإرادة حادثة - وهي إرادة الخلق - كما هو مذهب المعتزلة . فإذا ترك الفاعل الفعل فقد علم الله تعالى أنه لا يريد وقوع ذلك الفعل منه .

وأيضا : يعلم أن العاصي لا يريد أن يفعل فيكون عالما بانتفاء شرط وقوع ذلك الفعل ، فلا يكون هو مكلفا بذلك الفعل فلا يكون عاصيا بتركه .

الثاني : أنه لو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه لم يعلم تكليف أصلا . والتالي باطل قطعا ، فالمقدم مثله .

بيان الملازمة أن التكليف ينقطع بعد الفعل بالاتفاق ، ومع الفعل عند المعتزلة . فلا يكون العلم بالتكليف بعد الفعل ومعه ; لأن العلم لا يكون خلاف الواقع . وقبل الفعل لا يجزم بوقوع الشرط عند وقت الفعل . وإذا لم يجزم بوقوع الشرط لم يجزم بوقوع المشروط . فلا يعلم التكليف قبل الفعل . وإذا لم يعلم قبل الفعل ومعه وبعده لم يعلم أصلا .

قوله : " فإن فرضه متسعا " إشارة إلى سؤال وارد على الملازمة . [ ص: 446 ] توجيهه أن يقال : لا نسلم أنه لو لم يصح التكليف على الوجه المذكور لم يعلم تكليف أصلا . وذلك لأنا نفرض التكليف بالفعل موسعا ، كالواجب الموسع ، فإنه إذا انقضى من الوقت ، القدر الذي تمكن المكلف من الإتيان بالفعل ، ولم يأت بعد ، فقد علم المكلف التكليف بالفعل ; لأنه يعلم حينئذ أنه تمكن من الفعل .

تقرير الجواب أن يقال : نفرض زمنا زمنا ، أي يجري الوقت الموسع إلى ما قبل الفعل ومعه وبعده .

ونقول : التكليف لم يعلم قبل أول الزمان الموسع لعدم الجزم بتمكنه من الفعل ، ولا مع أول الزمان الموسع ، إن وقع الفعل فيه ، ولا بعده لانقطاع التكليف . وقس على هذا باقي الأجزاء .

الثالث : لو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه ، لم يعلم إبراهيم وجوب ذبح ولده . والتالي باطل فالمقدم مثله .

أما الملازمة فلأنه لو لم يصح التكليف بما علم الآمر انتفاء شرط وقوعه لم يكن إبراهيم - عليه السلام - مكلفا بالذبح ; لأن الله تعالى علم بانتفاء شرط وقوعه . وإذا لم يكن مكلفا بالذبح ، لم يكن عالما به .

أما بطلان التالي فلأنه - عليه السلام - لو لم يعلم وجوب الذبح لم يأخذ في مقدماته من الإضجاع ، وتل الجبين ، وإمرار المدية .

[ ص: 447 ] ومن أنكر علم إبراهيم - عليه السلام - وجوب الذبح فهو معاند للحق مكابر .

التالي السابق


الخدمات العلمية