صفحة جزء
ص - لنا : القطع بأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرجعون إلى فعله عليه الصلاة والسلام المعلوم صفته .

وقوله تعالى : فلما قضى الآية . وإذا لم تعلم ، وظهر قصد القربة - ثبت الرجحان فيلزم الوقوف [ عنده ] . والوجوب زيادة لم تثبت .

وإذا لم يظهر ، فالجواز ، والوجوب والندب زيادة لم تثبت . وأيضا لما نفى الحرج بعد قوله : " زوجناكها " ، فهمت الإباحة مع احتمال الوجوب والندب .

[ ص: 488 ]
ش - لما فرغ عن تحرير المذاهب ، شرع في الاحتجاج عليها فبدأ بإثبات المذهب المختار عنده في القسمين ، وتمسك بوجهين في إثبات أن ما علم صفته فأمته مثله .

أحدهما : الإجماع . وبيانه أنا نقطع بأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته من الوجوب والندب والإباحة عند كل حادثة ، ويقتدون بالرسول - عليه السلام - في ذلك الفعل ، من غير نكير أحد منهم . كرجوعهم إلى تقبيله - عليه السلام - للحجر الأسود . وإلى تقبيله - عليه السلام - لنسائه وهو صائم .

وذلك دليل إجماعهم على أن حكم الأمة حكمه - عليه السلام - في الفعل الذي علم صفته ، وإلا لم تفد المراجعة لهم .

الثاني : الآية . وهو قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم .

ووجه التمسك : أن الله سبحانه وتعالى علل نفي الحرج عن المؤمنين في نكاح أزواج أدعيائهم بتزويج الرسول - عليه السلام - زوجة دعيه زيد . فلو لم يكن حكم الأمة حكمه - عليه السلام - في الفعل المعلوم صفته ، لم يكن للتعليل في الآية معنى ; لأنه حينئذ لم يلزم من نفي الحرج عنه ، نفي الحرج عن المؤمنين .

[ ص: 489 ] ولما فرغ من إثبات المذهب المختار في القسم الأول ، شرع في المذهب المختار في القسم الثاني ، وهو أن ما لا تعلم صفته ، إن كان عبادة فندب ، وإلا فمباح . لأن الفعل الذي لم تعلم صفته [ إما ] أن يظهر منه أنه قصد حال إتيانه بذلك الفعل ، القربة ، أو لم يظهر . فإن كان الأول فندب ; لأنه لما قصد القربة به ، دل على رجحان فعله على الترك ; لأنه لو لم يكن الفعل راجحا ، لم تقصد به قربة ، فلزم الوقوف عند الرجحان ، وهو القدر المشترك بين الواجب والمندوب .

وخصوصية الوجوب - وهو الذم على الترك - زيادة لم تثبت ; لأن الأصل عدم الذم بترك الفعل ; لأن البراءة الأصلية ثابتة . وإذا كان راجحا ، ولم يكن واجبا ، تعين أن يكون مندوبا ; لأن المباح لا يكون فعله راجحا .

وإن كان الثاني - وهو الذي لم يظهر منه أنه قصد به القربة - فمباح ، لأن الجواز ثابت ; إذ الأصل عدم [ الذنب ] في فعله - عليه السلام - ; لأن وقوع [ الذنب ] في فعله نادر ، مغلوب ، والنادر المغلوب خلاف الأصل .

وخصوصية الوجوب والندب لم تثبت ; إذ لا وجوب ولا ندب إلا بدليل ، ولم يثبت دليل . وإذا ثبت الجواز وانتفى الوجوب والندب ، تعين الإباحة .

[ ص: 490 ] وأيضا لو لم تكن الإباحة راجحة في صور ثبوت الجواز ، مع عدم قصد القربة ، لما فهمت الإباحة من قوله تعالى : زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج لامتناع [ ترجح ] المرجوح أو المساوي .

لكن فهمت الإباحة فتكون الإباحة راجحة فتعين أن يكون مباحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية