صفحة جزء
ص - الموجب : وما آتاكم الرسول .

أجيب بأن المعنى : ما أمركم لمقابلة وما نهاكم . قالوا : " فاتبعوه " .

أجيب : في الفعل على الوجه الذي فعله ، أو في القول ، أو فيهما .

قالوا : " لقد كان " إلى آخرها . أي من كان يؤمن فله فيه أسوة .

قلنا : معنى التأسي : إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله .


ش - لما فرغ من إثبات مذهبه فيما لا تعلم صفته ، شرع في تقرير دلائل القائلين بالوجوب فيما لا تعلم صفته .

ولما كان دلائلهم من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، اعتبر الترتيب بينها ، فذكر أولا الدلائل المأخوذة من الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس .

أما المأخوذة من الكتاب : [ ص: 491 ] فمنها : قوله تعالى : وما آتاكم الرسول فخذوه . والتمسك به أنه أمر بأخذ ما أتى به الرسول ، أي بإمساك ما أتى به . لأن الأخذ ههنا هو الامتثال مجازا . والأمر للوجوب ، فيكون امتثال ما أتى به الرسول واجبا . ومن جملة ما أتى به فعله الذي لم تعلم صفته ، فيكون امتثاله واجبا .

أجاب المصنف عنه بأن قوله تعالى : وما آتاكم الرسول بمعنى ما أمركم . والذي يدل على ذلك أنه ذكر في مقابلة قوله : وما نهاكم والأمر لا يتناول الفعل فلا يكون الفعل الذي لم تعلم صفته واجبا .

ومنها : قوله تعالى : فاتبعوه فإنه يدل على وجوب متابعته . والمتابعة هي الإتيان بمثل فعله ، فيكون مثل فعله واجبا .

أجاب عنه بأن المراد بالمتابعة هي المتابعة في الفعل على الوجه الذي فعله ، أي إن كان الرسول فعله على قصد الوجوب ، كانت المتابعة هي الإتيان بالفعل على قصد الوجوب ، وإن كان على قصد الندب ، فالمتابعة هي الإتيان على قصد الندب . أو المراد من المتابعة هي المتابعة في القول ، وهي الامتثال لقوله . أو المراد المتابعة في الفعل والقول معا .

وعلى التقادير لم يلزم وجوب الفعل الذي لم تعلم صفته . أما على التقدير الأول والثالث فلأن الاتباع في الفعل على الوجه الذي فعله ، إنما يتصور إذا علم صفة الوجوب . وأما على التقدير الثاني فلأن المتابعة في القول لا يستلزم وجوب الفعل الذي لم تعلم صفته .

[ ص: 492 ] ومنها : قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر يفهم من ظاهر الآية أن التأسي بالرسول - عليه السلام - من لوازم رجاء الله واليوم الآخر ، [ ورجاء الله واليوم الآخر ] هو الإيمان بهما . فيكون مضمون الآية راجعا إلى جملة شرطية . فكأنه قال : من كان يؤمن بالله واليوم [ الآخر ] فله أسوة حسنة في رسول الله . فوجب التأسي بفعل النبي - عليه السلام - ; لأنه لو لم يكن التأسي واجبا ، لجاز تركه . والتالي باطل ، فالمقدم مثله .

أما الملازمة فظاهرة ; لأن ما ليس بواجب يجوز تركه .

وأما بيان انتفاء التالي ; فلأنه لو جاز ترك التأسي به ، لجاز ترك الإيمان بالله واليوم الآخر . والتالي باطل ، وإلا يلزم جواز الكفر ، فيلزم بطلان المقدم .

بيان الملازمة أن التأسي به لازم للإيمان بالله واليوم الآخر ، وجواز ترك اللازم يستلزم جواز ترك الملزوم .

أجاب المصنف عنه بأن المعنى من التأسي ; إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله . فلا يتصور وجوب التأسي في الفعل الذي لم تعلم صفته .

[ ص: 493 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية