صفحة جزء
ص - ( مسألة ) : إذا علم بفعل ولم ينكره قادرا . فإن كان كمضي كافر إلى كنيسة - فلا أثر للسكوت اتفاقا ، وإلا دل على الجواز .

وإن سبق تحريمه - فنسخ ، وإلا لزم ارتكاب محرم ، وهو باطل . فإن استبشر به - فأوضح .

وتمسك الشافعي - رحمه الله - في القيافة بالاستبشار و ترك الإنكار لقول المدلجي ، وقد بدت له أقدام زيد وأسامة - رضي الله عنهما - : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

وأورد : إن ترك الإنكار لموافقة الحق . [ ص: 503 ] والاستبشار بما يلزم الخصم على أصله ; لأن المنافقين تعرضوا لذلك . وأجيب بأن موافقة الحق لا تمنع إذا كان الطريق منكرا . وإلزام الخصم حصل بالقيافة فلا يصلح مانعا .


ش - المسألة الثالثة في أن تقرير الرسول ، - عليه السلام - وهو ما فعل في حضرته ولم ينكره - هل هو حجة أم لا ، إذا علم الرسول - عليه السلام - بفعل صدر عن المكلف ولم ينكر الرسول - عليه السلام - ذلك الفعل ، وكان قادرا على إنكاره .

فإن كان ذلك الفعل مما بين الرسول - عليه السلام - تحريمه ، ولم يتصور نسخه ، كمضي كافر إلى كنيسة ، فلا أثر لسكوت الرسول - عليه السلام - اتفاقا . أي عدم إنكار الرسول - عليه السلام - ذلك الفعل لا يدل على جوازه بالاتفاق . وإلا ، أي وإن لم يكن ذلك الفعل كمضي كافر إلى كنيسة ، نظر .

فإن لم يسبق تحريم ذلك الفعل ، دل عدم إنكاره - عليه السلام - على جواز ذلك الفعل . وإن سبق تحريم ذلك الفعل ، يكون عدم إنكاره عليه نسخا لتحريم ذلك الفعل .

[ ص: 504 ] وإلا ، أي وإن لم يدل عدم إنكاره على الجواز فيما إذا لم يسبق تحريمه ، وعلى النسخ فيما سبق تحريمه ، لزم أن يرتكب الرسول - عليه السلام - فعلا محرما ; لأن ترك إنكار ما هو محرم مع القدرة على الإنكار ، يكون حراما على الرسول ، - عليه السلام - . والتالي باطل ; لأن مثل هذا الحرام لا يجوز صدوره عن النبي .

فإن استبشر الرسول - عليه السلام - بذلك الفعل مع عدم الإنكار ، كان استبشاره - عليه السلام - بذلك الفعل أوضح دليل على جواز ذلك الفعل . ولهذا تمسك الشافعي - رضي الله عنه - في جواز إثبات النسب بالقيافة باستبشار النبي - عليه السلام - ، - وترك إنكاره لقول المدلجي حيث نظر المدلجي إلى زيد وأسامة ، وهما تحت قطيفة ، وقد ظهرت للمدلجي أقدامهما ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

فذكر قصته للنبي - عليه السلام - ، فاستبشر الرسول - عليه السلام - بقوله ولم ينكره . فلولا أن القيافة حقة ، يجوز إثبات النسب [ ص: 505 ] بها ، لما استبشر الرسول - عليه السلام - بقوله ، ولأنكره .

وقد أورد القاضي أبو بكر على الشافعي - رضي الله عنه - أن ترك إنكار الرسول - عليه السلام - لقول المدلجي لا يدل على جواز إثبات النسب بالقيافة . وذلك لأن ترك الإنكار إنما كان لأن قول المدلجي موافق للحق ، وهو ظاهر الشرع المقتضي لثبوت النسب ، لا لأن النسب يثبت بالقيافة .

واستبشار الرسول - عليه السلام - بقوله إنما هو لأجل إلزام الخصم بناء على أصله الذي هو القيافة ; لأن المنافقين تعرضوا لنسب أسامة ، فطعنوا فيه ، ولم يعتقدوا ثبوت نسبه بظاهر الشرع ، وكانوا [ يعتقدون ] بالقيافة في إثبات النسب .

[ ص: 506 ] أجاب المصنف عنه بأن القيافة إذا لم تكن طريقا صالحا لثبوت النسب ، لم يجز للنبي - عليه السلام - ترك إنكارها ، وإن كانت موافقة للحق ، لأن موافقة الحق لا تمنع الإنكار إذا كان الطريق منكرا ; لأن ترك الإنكار يوهم حقية الطريق . وإلزام الخصم إنما حصل بالقيافة المتقررة عنده .

وإنكار الرسول - عليه السلام - القيافة لا يرفع إلزام الخصم ; لأنه يمكن إلزام الخصم بالأصل الذي تقرر عنده ، وإن كان الملزم منكرا لذلك الأصل .

وحينئذ لا يصلح الإلزام أن يكون مانعا من الإنكار . فلو كان منكرا لأنكره ولم يستبشره به ; لأن الاستبشار لا مدخل له في الإلزام ويوهم حقية القيافة .

التالي السابق


الخدمات العلمية