صفحة جزء
ص - الأدلة : منها : أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف . والعادة تحيل إجماع هذا العدد الكثير من العلماء المحققين على قطع في شرعي من غير قاطع ، فوجب تقدير نص فيه .

وإجماع الفلاسفة وإجماع اليهود و [ إجماع ] النصارى غير وارد .

لا يقال : أثبتم الإجماع بالإجماع ; إذ أثبتم الإجماع بنص يتوقف عليه ; لأن المثبت كونه حجة ثبوت نص عن وجود صورة منه بطريق عادي لا يتوقف وجودها ولا دلالتها على ثبوت كونه حجة . فلا دور .


ش - لما فرغ من تزييف قول القائلين بكون الإجماع ليس بحجة ، شرع في إقامة الدليل على أنه حجة قطعية ، وذكر دليلين من الأدلة الدالة على أنه حجة قطعية .

أحدهما : أن الدليل القاطع [ دال ] على تخطئة مخالف [ ص: 532 ] الإجماع ، وكل ما دل الدليل القاطع على [ تخطئة ] مخالفه ، يكون حجة قطعية .

أما الكبرى فظاهرة . وأما الصغرى ; فلأنه لو لم يكن الدليل القاطع دالا على تخطئة مخالف الإجماع ، لما أجمع الأئمة [ و ] المجتهدون على القطع بتخطئة مخالف الإجماع . والثاني باطل ; لأنا علمنا بالنقل المتواتر أنهم أجمعوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع ، فيلزم بطلان المقدم .

بيان الملازمة أن العادة تحيل إجماع هذا العدد الكثير من العلماء المحققين والمجتهدين على القطع في حكم شرعي من غير نص قاطع دال على ما أجمعوا على قطعه . فوجب - بحكم العادة - تقدير نص قاطع دال على القطع بتخطئة مخالف الإجماع .

فإن قيل : لا نسلم أن العادة تحيل اجتماع العدد [ الكثير ] من العلماء على القطع من غير نص قاطع ; فإن الفلاسفة أجمعوا على القطع بقدم العالم . واليهود أجمعوا على القطع بكون الرسول - عليه الصلاة والسلام - متنبئا وكذلك النصارى أجمعوا على القطع بذلك . وليس إجماعهم عن نص قاطع .

[ ص: 533 ] أجيب بأن إجماع هؤلاء المذكورين غير وارد ; لأنهم ليسوا بجمع كثير ، ولا متفقين [ في ] أمر شرعي ، ولا قاطعين على ذلك .

والعادة لا تحيل اجتماع غير الجمع الكثير على أمر غير شرعي ، لا على القطع في غير دليل قاطع ، بل تحيل اجتماع الجمع الكثير على القطع في أمر شرعي .

لا يقال : الدليل الذي ذكرتم غير صحيح ; لاستلزام ثبوت الشيء بنفسه ، وبما يتوقف على نفسه ; لأنكم أثبتم الإجماع بالإجماع حيث قلتم : إنهم أجمعوا على القطع بتخطئة مخالف الإجماع ، وأثبتم الإجماع بنص قاطع يتوقف ثبوت ذلك النص القاطع على الإجماع ; لأن وجوب ثبوت النص مستفاد من إجماعهم على القطع بتخطئة مخالف الإجماع . لأنا نقول : الدليل الذي ذكرنا هو المثبت لكون الإجماع حجة ، لا للإجماع . وما أثبتنا كون الإجماع حجة بالإجماع ، ولا بنص يتوقف ثبوته على كون الإجماع حجة ، حتى يلزم ثبوت الشيء بنفسه وبما يتوقف عليه .

وذلك لأن المثبت لكون الإجماع حجة ، هو ثبوت نص قاطع ، ] ) . وثبوت ذلك النص القاطع إنما هو مستفاد عن وجود صورة من صور الإجماع ، لا عن كونه حجة . واستفادة ثبوت ذلك النص من تلك الصورة ، إنما هو بطريق عادي . وتلك الصورة لا يتوقف وجودها على كون الإجماع حجة .

[ ص: 534 ] ودلالتها على ثبوت النص القاطع أيضا لا يتوقف على كون الإجماع حجة . فلا يكون دورا . لأن كون الإجماع حجة حينئذ يتوقف على ثبوت النص القاطع ، وثبوت النص القاطع يتوقف على وجود صورة من صور الإجماع ، ولم يتوقف وجود تلك الصورة ولا دلالتها على ثبوت النص على كون الإجماع حجة ; لأن وجود تلك الصورة مستفاد من التواتر ، ودلالتها على ثبوت النص مستفاد من العادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية