صفحة جزء
ص - الخبر صدق أو كذب ; لأن الحكم إما مطابق للخارجي أو لا .

الجاحظ : إما مطابق مع الاعتقاد ونفيه ، أو لا مطابق مع الاعتقاد ونفيه . والثاني فيهما ليس بصدق ولا كذب ; لقوله تعالى : أفترى على الله كذبا أم به جنة .

والمراد الحصر ، فلا يكون صدقا ; لأنهم لا يعتقدونه . وأجيب بأن المعنى : أفترى أم لم يفتر ، فيكون مجنونا ; لأن المجنون لا افتراء له ، [ سواء ] قصد أو لم يقصد للجنون .


ش - لما فرغ من تعريف الخبر شرع في تقسيمه . والخبر ينقسم إلى صدق وكذب ، ولا واسطة بينهما عند الجمهور .

ولأن الحكم الذي هو مدلول الخبر إما مطابق للواقع أو لا . فإن كان مطابقا ، فهو صدق ، سواء كان معه اعتقاد المطابقة أو لا . وإن كان غير مطابق فهو كذب ، سواء كان معه اعتقاد المطابقة أو لا .

[ ص: 632 ] وذهب الجاحظ إلى أن الخبر لا ينحصر في الصدق والكذب ، بل يكون بينهما واسطة . وذلك لأن الخبر إما مطابق أو غير مطابق . فإن كان مطابقا ، فإما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا .

والثاني إما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا . وإن كان غير مطابق ، فإما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا . والثاني إما أن يكون معه اعتقاد المطابقة أو لا .

فهذه ستة أقسام . والأول منها - وهو الخبر المطابق مع اعتقاد المطابقة - صدق والرابع - وهو الخبر الغير المطابق مع اعتقاد عدم المطابقة - كذب . والأربعة الباقية ليس بصدق ولا كذب .

فقوله : " والثاني فيهما " إشارة إلى هذه الأقسام الأربعة; لأن المطابق مع نفي اعتقاد المطابقة انقسم إلى قسمين . وغير المطابق مع نفي اعتقاد المطابقة انقسم أيضا إلى قسمين .

[ ص: 633 ] مثال الصدق قولنا : زيد في الدار ، إذا كان فيها مع اعتقاد أنه فيها . مثال الكذب قولنا : زيد في الدار ، إذا لم يكن فيها مع اعتقاد أنه ليس فيها . واستدل الجاحظ بقوله تعالى : أفترى على الله كذبا أم به جنة .

ووجه التمسك به أنه لما أخبر الرسول - عليه السلام - عن نبوة نفسه حصر الكفار [ إخباره النبوة ] في الافتراء ، أي الكذب ، وإخبار من به جنة ، حصرا على منع الخلو . ويمتنع أن يكون الإخبار في حالة الجنون كذبا ; لأنهم جعلوه [ قسيم ] الكذب ، وقسيم الشيء لا يدخل تحته . وليس بصدق ; لأنهم لا يعتقدون صدقه . فيثبت قسم آخر لا يكون صدقا ولا كذبا .

فإن قيل : الإخبار في حال الجنون داخل في الكذب ; لأن الافتراء هو الكذب عن التعمد ، ولا يلزم من كونه قسيما للكذب عن تعمد ، أن لا يكون كذبا .

سلمنا أنه غير داخل في الكذب عند من جعله قسيما للكذب . فيلزم أن يكون الواسطة عنده في نفس الأمر .

[ ص: 634 ] والجواب عن الأول : الافتراء هو الكذب ، أعم من أن يكون عن تعمد أو لا ، والتقييد خلاف الأصل ، فلا يصار إليها إلا بدليل .

وعن الثاني أنه لو لم يكن واسطة بينهما ، لما قرر الله تعالى ما قالوه . أجاب المصنف عنه بأن معنى الآية : افترى في هذا الإخبار ، أو لم يفتر ، بل به جنون . وكلام المجنون ليس افتراء ، سواء قصد به الإفتراء أو لم يقصد للجنون ; فإنه يستلزم عدم خبرته كلامه ; لأنه لا قصد له [ يعتد به ] ولا شعور فلا يكون كلامه خبرا . فيكون مرادهم الحصر في كونه خبرا كذبا أو ليس بخبر . فلم يثبت خبر لا يكون صدقا ولا كذبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية