صفحة جزء
ص - وخالفت السمنية في إفادة المتواتر . وهو بهت ; فإنا نجد العلم ضرورة بالبلاد النائية والأمم الخالية ، والأنبياء والخلفاء بمجرد الأخبار .

وما يوردونه من أنه كأكل طعام واحد ، وأن الجملة مركبة من الواحد . [ ص: 641 ] ويؤدي إلى تناقض المعلومين ، وتصديق اليهود والنصارى في " لا نبي بعدي " ، وبأنا نفرق بين الضروري وبينه ضرورة ، وبأن الضروري يستلزم الوفاق ، مردود .


ش - أكثر العقلاء اتفقوا على أن المتواتر يفيد العلم . وخالفت السمنية - وهم قوم من الهند - في إفادة المتواتر العلم .

وهو بهت ، أي باطل . فإن المتواتر يفيد العلم ، سواء كان إخبارا عن أمور موجودة في زماننا ، أو أمور ماضية ; لأنا نجد بالضرورة العلم بالبلاد النائية ، كمكة وبغداد ومصر ، والأمم الماضية والأنبياء والخلفاء . وما ذلك العلم إلا من الخبر المتواتر .

[ ص: 642 ] والسمنية أوردوا وجوها في بيان المتواتر لا يفيد العلم . منها : أن إفادة الخبر العلم موقوفة على اتفاق جمع عظيم على الإخبار به ، وهو محال ، كاتفاقهم على أكل طعام واحد .

ومنها : أن خبر كل واحد لا يفيد العلم ، فخبر الجملة أيضا لا يفيد ; لأن الجملة مركبة من الواحد ، وحكم الجملة ، حكم كل واحد .

ومنها : أنه لو كان المتواتر يفيد العلم ، لأدى إلى تناقض المعلومين لأنه إذا تواتر خبر على وجود شيء في وقت ، وتواتر خبر آخر على عدمه في ذلك الوقت ، يلزم العلم بوجوده وعدمه في ذلك الوقت .

ومنها : أنه لو أفاد المتواتر العلم ، لزم صدق اليهود والنصارى في أخبارهم عن نبيهم بأنه قال : " لا نبي بعدي " . والتالي باطل للدليل القاطع على كذب هذا الخبر .

ومنها : أنا نفرق بالضرورة بين الضروري وبين المتواتر ; لأنا إذا عرضنا على عقولنا أن الواحد نصف الاثنين ، وعرضنا على عقولنا وجود جالينوس وجدنا الجزم بالأول أقوى وأكمل من الجزم بالثاني . فلو كان المتواتر مفيدا للعلم لم يوجد التفاوت بين الجزمين .

[ ص: 643 ] ومنها : أنه لو كان ضروريا ، لم يختلف فيه ; لأن الضروري يستلزم الوفاق . أجاب المصنف بأن هذه الوجوه مردودة .

فقوله : " وما يوردونه " مبتدأ وقوله " مردود " خبره . أما رده من حيث الإجمال فإنها تشكيك في الضروريات فلا يستحق الجواب .

وأما من حيث التفصيل فلأنا لا نسلم في الأول امتناع اجتماع جمع عظيم على الأخبار .

ولا نسلم في الثاني أنه إذا لم يكن كل واحد مفيدا للعلم ، لم يكن المجموع مفيدا له ، ولا نسلم أن حكم الجملة حكم كل واحد ; فإنه يصدق على كل واحد من آحاد العشرة أنه جزء العشرة ، ولا يصدق على العشرة أنه جزء العشرة .

ولا نسلم في الثالث تناقض المعلومين . وذلك لأنه بتقدير تواتر أحد الخبرين يمتنع تواتر نقيضه .

ولا نسلم في الرابع لزوم صدق اليهود والنصارى ، وإنما يلزم لو تواتر خبرهم ، وهو ممنوع ; لأن القاطع دل على كذب خبرهم . وخبر الجمع العظيم إنما يكون متواترا إذا لم يكذبه قاطع .

[ ص: 644 ] ولا نسلم في الخامس أنه لو كان ضروريا لم يوجد التفاوت بينه وبين الضروريات ; لأن الضروريات قد تتفاوت في الجزم بها .

ولئن سلم فلا يلزم منه المطلوب ; إذ حصول التفاوت يوجب أن لا يكون ضروريا ، ولا يوجب أن لا يكون مفيدا للعلم الذي هو المتنازع ههنا .

ولا نسلم في السادس أن الضروري يستلزم الوفاق . وذلك لأن السوفسطائية ينكرون الضروريات .

التالي السابق


الخدمات العلمية