تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
278 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، ثنا عبد السلام بن حرب النهدي ، قال : ثنا يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني ، ثنا المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة ، وينزل الله في ظل من الغمام ، فينادي مناد : يا أيها الناس! ، ألم ترضوا [ ص: 298 ] من ربكم الذي خلقكم ، وصوركم ، ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ، ويتولى ، أليس ذلكم من ربكم عدل ؟ ! قالوا : بلى! ، قال : فلينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا! ، قال : ويمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، قال : ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ، ويمثل لمن كان يعبد عزير شيطان عزير ، حتى يمثل لهم الشجرة ، والعود والحجر ، ويبقى أهل الإسلام جثوما ، فيقول لهم الرب - تبارك وتعالى - : " ما لكم لا تنطلقون ، كما انطلق الناس ؟ ! " فيقولون : إن لنا ربا ، ما رأيناه بعد ، فيقول : " فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه ؟ ! " قالوا : بيننا وبينه علامة ، إن رأيناها عرفناه ، قال : فيكشف عند ذلك عن ساق ، قال : (فيخر كل من كان بظهره الطبق ، ساجدا) ، ويبقى قوم ظهورهم ، كصياصي البقر ، يريدون السجود ، فلا يستطيعون ، ثم يؤمرون ، فيرفعون رؤوسهم ، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم ، قال : فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك ، ومنهم يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك ، حتى تكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه ، يضيء مرة ويطفيء مرة ، فإذا أضاء ، قدم قدمه ، [ ص: 299 ] وإذا أطفيء قام ، قال : فيمر ، ويمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف ، دحض مزلة ، قال : فيقول لهم : انجوا على قدر نوركم ، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ، ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرحل ، ويرملون رملا ، فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ، قال : تخر يد ، وتعلق يد ، وتخر رجل ، وتعلق أخرى ، وتصيب جوانبه النار ، فإذا خلصوا ، قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناك ، لقد أعطانا الله ما ل‍م يعط أحدا ، قال : فينطلقون إلى ضحضاح عند باب الجنة ، فيغتسلون ، فيعود إليهم ريح أهل الجنة وألوانهم ، ويرون من خلل باب الجنة ، وهو مصفق منزلا في أدنى الجنة ، فيقولون : ربنا أعطنا ذلك المنزل ، فيقول لهم : " أتسألوني الجنة ، وقد نجيتكم من النار ؟ ! " فيقولون : ربنا! أعطناه ، اجعل بيننا وبين النار هذا الباب ، لا نسمع حسيسها ، فيقول : " لعلكم إن أعطيتكموه أن تسألوا غيره " ، فيقولون : لا ، وعزتك ، لا نسألك غيره ، وأي منزل يكون أحسن منه ؟ فيدخلون الجنة ، ويرفع لهم منزل أمام ذلك كان الذي رأوه قبل ذلك ، حلما عنده ، فيقولون : ربنا! أعطنا ذلك المنزل ، فيقول لهم : " لعلكم إن أعطيتكموه أن تسألوا غيره " ، فيقولون : لا ، وعزتك ، لا نسألك غيره ، وأي منزل أحسن منه ؟ فيعطونه ، ثم يرفع [ ص: 300 ] لهم منزل أمام ذلك ، كان الذي أعطوه قبل ذلك ، كان حلما عند الذي رأوا ، فيقولون : ربنا! أعطنا ذلك المنزل ، فيقول : " لعلكم إن أعطيتموه تسألوا غيره " ، فيقولون : لا وعزتك ، لا نسألك غيره ، وأي منزل أحسن منه ؟ ، ثم يسكتون ، ليقال لهم : " مالكم لا تسألون ؟ ! " فيقولون : ربنا! قد سألناك حتى استحيينا ، فيقول لهم الرب - تبارك وتعالى - : " ألا ترضون أن أعطيكم مثل الدنيا ، منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها ، وعشرة أضعافها ؟ ! " فيقولون : أتستهزئ بنا ، وأنت رب العالمين ؟ ! .

قال مسروق : فما بلغ عبد الله هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن! ، لقد حدثت هذا الحديث مرارا ، فما بلغت هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحكت ؟ ! فقال عبد الله : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدثه مرارا ، فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك ، حتى تبدو لهواته ، يقول الإنسان : أتستهزئ بنا ، وأنت رب العالمين!! فيقول : " لا ، ولكني على ذلك قادر فسلوني " ، فقالوا : ربنا ألحقنا الناس ، فيقال لهم : ألحقوا الناس ، فينطلقون ، يرفلون في الجنة ، حتى يبدو للرجل منهم قصر درة مجوفة ، فيخر ساجدا ، فيقال له : ارفع رأسك! ، فيرفع رأسه ، فيقول : رأيت ربي ، فيقال له : إنما ذلك منزل من منازلك ، فينطلق ، فيستقبله رجل ، فيتهيأ للسجود ، فيقال له : ما لك ؟ فيقول : رأيت ملكا أو ملكا ، - شك أبو غسان - ، فيقال له : [ ص: 301 ] إنما ذلك قهرمان من قهارمتك ، عبد من عبيدك ، فيأتيه ، فيقول : إنما قهرمان من قهارمتك على هذا القصر ، تحت يدي ألف قهرمان ، كلهم على ما أنا عليه ، فينطلق عند ذلك ، فيفتح له القصر ، وهو درة مجوفة ، سقائفها ، وأبوابها ، وأعلاقها ، ومفاتيحها منها ، قال : فيفتح له القصر ، فيستقبله جوهرة خضراء ، مبطنة بحمراء سبعين ذراعا ، فيها ستون بابا ، كل باب يفضي إلى جوهرة حمراء ، مبطنة بخضراء ، فيها ستون بابا ، كل باب يفضي إلى جوهرة على غير لون صاحبتها ، في كل جوهرة ، سرر وأزواج ويصائف ، أو قال : ووصائف ، - هكذا قال في الحديث - ، فيدخل ، فإذا هو بحوراء عيناء عليها سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء حللها ، كبدها مرآته ، وكبده مرآتها ، إذا أعرض عنها إعراضة ، ازدادت في عينه سبعين ضعفا ، عما كانت قبل ذلك ، فإذا أعرضت عنه إعراضة ، ازداد في عينها سبعين ضعفا ، عما كان عليه قبل ذلك ، فتقول له : ازددت في عيني سبعين ضعفا ، ويقول لها مثل ذلك ، فيشرف على ملكه ، مد بصره ، مسيرة مائة عام .

فقال عمر بن الخطاب عند ذلك : ألا تسمع يا كعب إلى ما يحدثنا به ابن أم عبد ، عن أدنى أهل الجنة ما له ، فكيف بأعلاهم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين! ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، إن الله كان فوق العرش والماء ، فخلق لنفسه دارا [ ص: 302 ] بيده ، فزينها بما شاء ، وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب ، ثم أطبقها ، فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها ، جبريل ، ولا غيره من الملائكة ، ثم قرأ كعب : ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) الآية ، وخلق دون ذلك جنتين ، فزينهما بما شاء ، وجعل فيهما ما ذكر من الحرير ، والسندس ، والإستبرق ، وأراهما ما شاء من خلقه من الملائكة ، فمن كان كتابه في عليين ، له تلك الدار ، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه ، لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه ، حتى إنهم ليستنشون ريحه ، يقولون : واها لهذه الريح الطيبة ، ويقولون : لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين ، فقال عمر : ويحك يا كعب! ، إن هذه القلوب قد استرخت ، فاقبضها ، فقال كعب : يا أمير المؤمنين! ، إن لجهنم زفرة ، ما من ملك مقرب ، ولا نبي إلا يخر لركبتيه ، حتى يقول إبراهيم خليل الله : رب نفسي نفسي ، حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك ، لظننت أن لن تنجو منها .
[ ص: 303 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية