تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
20 - حدثنا عبيد الله بن سعد ، قال : ثنا عمي يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، قال : ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال " كان لداود - صلى الله عليه - محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور ، ولصلاته إذا صلى ، ولم يكن يعطي الله فيما يذكرون من خلقه أحدا مثل صوته ، وكان إذا قرأ الزبور فيما يذكرون ، ترايا له الوحش حتى يؤخذ بأعناقها ، وأنها لمصغية تستمع صوته ، وما صنعت الشياطين المزامير ، والبرابط والصنوج ، إلا على أصناف صوته ، وكان أسفل منه جنينة لرجل من بني إسرائيل ، وكانت عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داود فيها ما أصاب .

قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم : أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم قال : لا يدخل علي أحد حتى الليل ، فلا يشغلني شيء خلوت له حتى أمسي ، فدخل محرابه ، ونشر زبوره [ ص: 107 ] يقرأ ، وفي المحراب كوة ، تطلعه على تلك الجنينة ، فبينما هو جالس يقرأ زبوره ، إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوة ، فرفع رأسه فرآها ، فأعجبته ، ثم ذكر ما قال : لا يشغله شيء عما دخل له فنكس رأسه ، وأقبل على زبوره ، فتصوبت الحمامة ، للبلاء والاختبار من الكوة ، فوقعت بين يديه ، فتناولها بيده ، فاستأخرت غير بعيد ، فأتبعها ببصره أين تقع ، فنهض إلى الكوة ، لتناولها من الكوة ، فتصوبت إلى الجنينة ، فأتبعها بصره أين يقع ، فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة ، الله أعلم بها في الجمال والحسن والخلق ، فيزعمون أنها لما رأته ، نقضت رأسها ، فوارت به جسدها منه ، فاختطفت قلبه ، فرجع إلى زبوره ومجلسه ، وهي من شأنه ، لا يفارق قلبه ذكرها ، وتمادى به البلاء ، حتى أغزى زوجها أوريا ، ثم أمر صاحب جيشه أن يقدمه إلى المهالك ، حتى أصابه ما أراد به من الهلاك ، ولداود تسعة وتسعون امرأة ، فلما أصيب صاحبها ، خطبها داود ، فنكحها ، فبعث الله إليه - وهو في محرابه - ملكين يختصمان إليه ، مثلا ضربه الله له ولصاحبه ، فلم يرع بهما ، إلا واقفين على رأسه في محرابه .

فقال : ما أدخلكما علي ؟ فقالا : ( لا تخف ) ، لم ندخل لبأس ولا لريبة : ( خصمان بغى بعضنا على بعض ) ، فجئناك لتقضي بيننا : ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ) . [ ص: 108 ]

فقال : تكلما ، فقال الملك الذي يكلم عن أوريا زوج المرأة : ( إن هذا أخي ) ، على ديني : ( له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها ) أي احملني عليها ، ثم : (عزني في الخطاب ) ، أي قهرني في الخطاب ، وكان أقوى مني وأعز ، فحاز نعجتي إلى نعاجه ، وتركني لا شيء لي ، فنظر داود إلى خصمه الذي لم يتكلم ، فقال : لئن كان صدقني لأفعلن بك ، ثم ارعوى داود ، فعرف أنه الذي يراد بما صنع في امرأة أوريا ، فوقع ساجدا ، تائبا ، منيبا ، باكيا ، فسجد أربعين صباحا ، ما يأكل ، وما يشرب ، حتى أنبتت دمعه الخضر تحت وجهه ، فتاب الله عليه ، وقبل منه ، فيزعمون أنه قال : يا رب! ، هذا غفرت لي ما جنيت في شأن المرأة ، فكيف بدم القتيل المظلوم ؟ فقيل له - والله أعلم - : يا داود! أما إن ربك لن يظلمه ذلك ، ولكنه سيسأله إياه فيعطيه ، فيضعه عنك ، فلما فرج عن داود ما كان فيه ، وشم خطيئته في كفه اليمنى في باطن راحته ، فما رفع إلى فيه طعاما ولا شرابا ، إلا بكى إذا رآها ، وما قام خطيبا في الناس قط ، إلا نشر كفه ، فاستقبل الناس ؛ ليروا وشم خطيئته في يده .

التالي السابق


الخدمات العلمية