تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
[آيات دالة على أن كمال الإيمان بالصلاة ، وسائر الطاعات : ]

قال أبو عبد الله : ووصف الله - عز وجل - المؤمنين بالأعمال ، ثم ألزمهم حقيقة الإيمان ، ووصفهم بها بعد قيامهم بالأعمال ، من الصلاة والزكاة وغيرهما ، فقال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) ، ثم قال : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، فوصفهم بحقيقة الإيمان ، بعد قيامهم بالأعمال التي [ ص: 357 ] ذكرها .

فليس لأحد أن يعارض خبر الله بالرد ، ويقلب وصفه ويبدله ، فيقول : إن المؤمنين الذين إذا ذكر الله لم تجل قلوبهم ، وإذا تليت عليهم آياته لم تزدهم إيمانا ، ولا يتكلون على ربهم ، ولا يقيمون الصلاة ، ولا يؤتون الزكاة ، أولئك هم المؤمنون حقا ، فيبدل وصف الله ، ويقلب حكمه ، فثبتت أول الآية ، وثبتت آخرها بالحقيقة لمن آمن بالله ، ويلقي ما بين أولها وآخرها من العمل ، فيسمي المؤمن مؤمنا حقا ، بإلغاء ما بين أول الآية ، وآخرها من العمل ، فيكون قد عارض حكم الله بالرد ، ولو كان كل مؤمن مؤمنا حقا ؛ لما كان لقول الله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، بعد الأعمال التي وصفهم بها معنى ، إذ كان من عمل تلك الأعمال ومن لم يعملها مؤمنا حقا ، ألا ترى ؟ أنه لا يجوز أن يقال : هذا إنسان حقا ، لأنه لا يكون إنسان باطلا ، ويجوز أن يقال : هذا إنسان حقا ، ليميز بينه وبين الإنسان الباطل ، الذي ليس بإنسان حقا ، وكذلك لا يجوز أن يقال : مؤمن حقا ، لو كان ليس للإيمان خصوص وعموم ، كما أن ليس للإنسان خصوص وعموم ، كما يقول القائل : فلان رجل حقا ، لا يريد أنه ذكر حقا ، ليس بأنثى ، لأنه لا جائز أن يكون ذكرا باطلا ، ولكنه يريد بقوله : رجلا حقا : أي كاملا في قوته وبصره ، وحسن تدبيره ، فجاز ذلك على هذا المعنى ، فكذلك قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، إبانة عن استكمال [ ص: 358 ] الإيمان ، وفي ذلك دلالة على أن من المؤمنين من ليس بمؤمن حقا ، من طريق الكمال ، إلا أنه لا يكون مؤمنا باطلا ، إذ لم يكن مؤمنا حقا ؛ لأنه لا يجوز أن يكون مؤمنا باطلا ، فلما لم يجز أن يكون مؤمنا باطلا ، ثبت أن قول الله - عز وجل - : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) خصوصية ، خص هؤلاء بها دون سائر المؤمنين ، كما يقول القائل : هذا رجل عربي ، لأن من الرجال من ليس بعربي ، ولو كان كل رجل عربيا ، ولا يكون رجل غير عربي ، لكان قول القائل : هذا رجل عربي ؛ لا معنى له ، وذلك كما يقول القائل : هذا رجل بصير ، لأن في الناس من ليس ببصير ، ولو كانوا كلهم بصراء ، ما كان لقولك : هذا رجل بصير معنى .

ولكان قولك كقول القائل : هذا إنسان آدمي بشري ، ولا معنى لهذا التكرار ، إلا العي ، ولو قلت : هذا إنسان قوي ، لجاز في اللغة والمعقول ، إذ كان في الناس من هو ضعيف ، ليس بالقوي ، ولولا أن في المؤمنين من ليس بمؤمن كامل ، من قبل الحقيقة والكمال ، لما قال الله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، يمدحهم بذلك ، دون غيرهم من المؤمنين ، إلا ولا جائز أن يكون مؤمنا باطلا ، ولو جاز أن يكون مؤمنا من باطل ، لجاز أن يقال : مؤمنا حقا ، يريد أنه مقر ليعلم عباده ، أنه ليس كمن آمن باطلا ، فإذا لم يجز أن يكون مؤمنا باطلا ، لم يكن لقوله : [ ص: 359 ] " حقا " معنى ، إلا حقيقة الكمال والتمام ، لأنه قد يكون مؤمن ، مقصر عن الحقيقة ، وآخر قد بلغ الحقيقة ، فلذلك قال : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، ولو لم يكن ذلك ، كذلك لم يكن لخصوصية الرب قوما ، وصفهم بالحقيقة ، دون غيرهم معنى يصح ، وهذا لا يجوز أن يوصف به بعض أهل العقل ، والبصر باللغة من المسلمين ، فكيف بالله - تبارك وتعالى - ؟ ومما يدل ويحقق ما ذكرنا ، أن من الرجال من قد يجوز أن يسمى بالإيمان ، ويوصف به ، ولما لم يبلغ حقيقته استكماله ، الخبر المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي :

التالي السابق


الخدمات العلمية