تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
774 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الصلت ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : " ( كان أمة قانتا ) ، قال : كان على الإسلام ، وهو الإيمان بالله ، ولم يكن في زمانه في قومه أحد على الإسلام غيره ، فلذلك قال الله عز وجل : ( كان أمة قانتا ) ، قال : كان مطيعا " .

* قال أبو عبد الله : ومن أعظم حجج المرجئة التي يقولون بها عند أنفسهم : اللغة ، وذلك أنهم زعموا أن الإيمان لا يعرف في اللغة إلا بالتصديق ، وزعم بعضهم أن التصديق لا يكون إلا بالقلب ، وقال بعضهم : لا يكون إلا بالقلب ، واللسان ، وقد وجدنا العرب في لغتها تسمي كل عمل حققت به عمل القلب ، واللسان تصديقا ، فيقول القائل : [ ص: 717 ] فلان يصدق فعله قوله ، يعنون يحقق قوله بفعله ، ويصدق سريرته علانيته ، وفلان يكذب فعله قوله ، وقال الشاعر :


صدق القول بالفعال فإني لست أرضى بوصف قال ، وقيل



وقال كثير - وهو يمدح عمر بن عبد العزيز رحمه الله :


وليت ، فلم تشتم عليا ولم تخف     بريئا فأمسى ساخطا كل مجرم
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي     فعلت فأمسى راضيا كل مسلم



ويقول العرب إذا حمل الرجل على القوم في الحرب فلم يرجع ، قالوا : صدق الحملة ، أي حققها ، أي لم يقتصر دون أن يبلى ، وإذا رجع قيل : كذب الحملة .

ويقال للمرجئة : أخبرونا عن الآمن من الله ، حتى [ ص: 718 ] لا يخافه في حال من الأحوال ، فلا يلزم قلبه الخوف ، أيكون مؤمنا من كان كذلك ؟ !فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فإذا زعمتم أنه مؤمن بالله أنه الجليل العظيم ، فإن القدرة عليه نافذة ، وأنه عظيم الغضب شديد العقاب ، ثم هو لا يخافه ، ولا يهابه ، ولا يجله في حال من الأحوال ، فهل فرق من فعل ذلك بين من لا هيبة له ، ولا إجلال ، ولا قدرة له عليه كالأصنام ، إذ عرف أن الأصنام في أنفسها أصنام ، وعرف في نفسه ، وأقر بلسانه أن الله هو الإله ، ثم لم يخفه ، ولم يجله ، ولم يهبه ، ولم يرجه في معنى من المعاني ، هل جعل بينه وبين الأصنام فرقا في التصديق بها ، لأنه لا يعمل أحد إلا لأحد أمرين رغبة ، أو رهبة ، فمن لم يخفه ، ولم يرجه ، فقد أنزله منزلة من لا يضر ، ولا ينفع ، ومن كان كذلك ، فليس بأهل أن يتقى ، فكيف يكون مؤمنا من سوى بين الله تبارك وتعالى وبين الأصنام التي لا تخاف ، ولا تهاب ، ولا تجل ، ولا ترهب ، ولا ترجأ ، لأنها لا تضر ، ولا تنفع ؟ !فإن قالوا : لا يكون مؤمنا من كان هكذا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون لله خائفا ، ومجلا ، وهائبا .

قيل لهم : فإن زعمتم أنه لا يكون من كان كذلك [ ص: 719 ] مؤمنا ، وإنما يخرجه من الإيمان الكفر ، فقد أثبتم أن الخوف إيمان ، والأمن كفر .

فإن قالوا : إن الخوف على وجهين : أحدهما إيمان ، وذلك خوف الإقرار ، وهو إقرار في غيبه ، وذلك خوف يقين ، ألا ترى إلى قول الله عز وجل : ( الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) ، فإنما يعني أنهم مؤمنون ، وقال : ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ) يعني لا يؤمنون ، والوجه الآخر من الخوف هو المزعج عن المعاصي ، وليس ذلك من الإيمان ، ولكن الإيمان سبب له .

قيل لهم : أما واحدة ، فقد خرجتم من اللغة التي عليها اعتمدتم ، لأنكم لم تجدوا في اللغة أن الخوف إيمان ، ولا أن الأمن كفر .

والثانية أنه إن كان معنى الخوف من الله إيمانا ، فكل خوف من الله مزعجا عن المعاصي إيمان ، ومن لم يفعل الخوف كله إيمانا ، فجعل أوله إيمانا ، وآخره لا إيمان ، فقد ناقض ، لأنه جائز أن يكون تصديق إيمانا ، وتصديق لا إيمان ، فكما كان كل تصديق إيمانا ، فكذلك كل خوف إيمان .

فإن قالوا : إنا لا نقول : إن الخوف جزء من الإيمان ، [ ص: 720 ] ولكنا نقول : لا يفارق الإيمان .

قيل لهم : إن قولكم : لا يفارق الإيمان لا يخلو من وجهين : أن تكونوا تعنون أنه لا يفارق الإيمان ، لأنه من الإيمان ، أو تكونوا تعنون الإيمان لا يكون إيمانا إلا به ، فكلا الوجهين يثبت أنه إيمان لازما ، لا يكون الإيمان إلا به ، فهو إيمان ، فإن كان جائزا أن يكون الإيمان ، ولا يكون ، فقد أثبتم أن المؤمن يستوي الله عز وجل في قلبه ، والأصنام التي لا تضر ، ولا تنفع .

فإن قالوا : لا يجوز أن يستوي ذلك في قلبه .

قيل لهم : فقد ثبت بذلك أن الخوف ، والإجلال ، والهيبة لله إيمان ، ولولا ذلك لم يكن بينه وبين الأصنام فرق .

التالي السابق


الخدمات العلمية