تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
800 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا إبراهيم بن حمزة ، ثنا بشر بن السري ، عن عمر بن سعيد ، عن المغيرة بن الحكيم الصنعاني ، قال : " ذكر لي أن التلبية إنما جعلت يجدد بها الإيمان ، ويثبت بها الإسلام " .

* قال أبو عبد الله : وزعم بعض المرجئة أن الإقرار باللسان هو التصديق ، فهو وتصديق القلب معنى واحد ، وإن اختلفا في أعيانهما . [ ص: 789 ]

يقال لهم : كيف يختلف شيئان في أعيانهما ، ويتفقان في الاسم من جهة ما اختلفا ؟ !

فإن قالوا : ذلك موجود في اللغة ، كما يقول القائل : ديني ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم واحد ، وفعل محمد غير فعله ، لأن ضميره غير ضميره ، وقوله غير قوله .

فيقال لهم : إنما يقول القائل ذلك يريد أن الدين الذي شرعه الله لمحمد صلى الله عليه وسلم ، هو ديني ، ولا يريد أن ضمير محمد هو ضميري ، لأن اسم الإيمان في مجاز اللغة يقع على وجهين : أحدهما على الأمر به ، والدلالة عليه في الظاهر ، والآخر حقيقة في المعنى ، فأما الظاهر في اللسان الذي هو على المجاز ، فقول المسلمين : جاءنا محمد بالإيمان ، وشرح لنا الإيمان ، وجاءنا بالدين ، فإنما يعنون بيان الإيمان ، وتفسيره ، كيف هو ، لأن الله عز وجل أمر بالإيمان ، ثم فسر لنا : ما الإيمان ، فسمي تفسير الإيمان إيمانا ، فأما على الحقيقة في المعنى ، فإنما الإيمان فعل من المؤمن ، ولا جائز أن يكون كلام الله فعلا للمؤمنين ، وسمى الله الدلالة على الإيمان ، والأمر به إيمانا ، والإيمان في عينه فعل المؤمن كما يقول : جاءنا محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاة ، وإنما يريد أمرنا بالصلاة ، واستخرجها لنا ، والصلاة في عينها ليست بالأمر ، [ ص: 790 ] وبالشرح ، ولكنها المأمور بها المشروحة للعباد ، لأنها في عينها افتتاح بتكبير ، وقراءة ، وركوع ، وسجود ، وذلك غير الأمر .

فقول القائل : " ديني ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم واحد " ، يريد أني أدين بالدين الذي أمر الله به محمدا صلى الله عليه وسلم واحدا إنما يعني أنا قد صلينا الصلاة التي أمر بها جميعا إلا أن حركاته ، وسكونه في الصلاة هي حركاتي وسكوني ، ولو كان ذلك معنى واحدا لكان ديني ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم على معنى أن فعله فعلي بمعنى واحد ، لكان لي من الأجر مثل ما له ، فساويته في الأجر من الله ، ولا يقول هذا مسلم ، فكذلك لم يعن أن التصديق هو القول باللسان ، بل القول في عينه حروف مؤلفة ، وصوت ، وحركات ، والتصديق في القلب عقد ضمير لا صوت ، ولا حروف ، ولا حركات ، فمحال أن يكون أحدهما الآخر ، لو جاز أن يكون القول تصديقا ، لجاز أن يكون التصديق قولا ، فكان من قال بلسانه ، فقد صدق بقلبه ، وقد وجدنا المنافقين قد قالوا بألسنتهم ، فكذبهم الله ، ولم يجعله منهم تصديقا .

قال : ويقال لهم : أخبرونا عن الإيمان : هو بعينه لا يتقلب أبدا ، أم للطاعة بالأمر ، والنهي ؟ [ ص: 791 ] فإن قالوا : بعينه ، قيل لهم : فلا يتقلب أبدا ما كانت العين موجودة .

فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فهل تعلمون أن الله حرم السبت على بني إسرائيل ، وشحوم البطون ، وكل ذي ظفر ، فكان ذلك عندهم محرما ، وكانوا بالإيمان به مؤمنين ، ثم إن الله عز وجل أحله للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلو أن أمة محمد حرمته بعدما أحله الله ، ما حكمهم عندكم ؟

فإن قالوا : كفارا ، قيل لهم : فالأمر الذي كان من بني إسرائيل إيمانا ، لو أتى به أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان كفرا ، فقد بين أن الإيمان ليس بعينه ، ولو كان بعينه لما انقلب أبدا ، فقد ثبت أنه للطاعة بالأمر ، والنهي لا بعينه .

إن كان في حال منهم إيمانا ، ثم صار في الحال الأخرى كفرا ، فقد ثبتوا أنه بعينه ، وأنه كيف ما قلبهم الله بالأمر ، والنهي ، كان ذلك منهم إيمانا ، وكان تركه كفرا .

فإن قالوا : إن الإيمان هو التصديق فعليهم أن يصدقوا في كل حال بما يأمرهم به .

قيل لهم : أرأيتم لو قالوا حين حولهم الله عن بيت المقدس إلى الكعبة : الله صادق بهما جميعا ، وقد صدقنا بقوله فآمنا به ، ولكنا نصلي إلى بيت المقدس ، كما كنا [ ص: 792 ] أولا مخافة عيب الناس أن يقولوا : بدل دينهم ، ونحن نعلم أن الله صادق ، وأنه قد نسخها .

فإن قالوا : هم كفار ، قيل : ولم ؟ !

فإن قالوا : ليذعنوا ، ويخضعوا بالطاعة .

قيل لهم : وأين وجدتم ذلك في اللغة إيمانا ، وهم يقولون : نعم ، هو علينا حق ، نقر به ، ونصدق ، ولكنا نصلي إلى بيت المقدس كراهة اللائمة .

فإن قالوا : لم يقروا بعد ، قيل لهم : لم يقروا بالفعل ، ولم يقروا أنه حق واجب .

فإن قالوا : لم يقروا بالفعل ، قيل لهم : فالإقرار بالفعل إنما هو إرادة يعبروا عنها ، أنا نفعل ، وإن لم يفعلوا كفروا في قولكم ، فقد ثبت أن الإيمان إرادة ، ووعد بالقول أن يفعلوا ، وهنا خلاف ما ادعيتم في اللغة .

ويقال لهم : ما تقولون في من زعم أن الخمر حلال ، هل كفر ؟

فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فهل ترك إيمانا بتحليله الخمر ؟

فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فهو كافر بالله ، وبالقرآن ؟

فإن قالوا : نعم ، قيل : فما تقولون في رجل أقر بالله ، [ ص: 793 ] وبالرسول صلى الله عليه وسلم ، وبما افترض الله عليه ، وأن الخمر عليه حرام ، ثم استحلها ، هل كفر بالله ، وبرسوله أم بالخمر ؟

فإن قالوا : بالله ، وبرسوله ، قيل : فما على الإمام أن يستتيبه منه ؟ أيستتيبه من تحليل الخمر ، أم يستتيبه من الجحد بالله ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقر بجميع الفرائض ؟

فإن قالوا : نعم زعموا أن الإقرار بتحريم الخمر الإقرار بجميع الدين ، والكفر بها الكفر بجميع الدين ، مع خروجهم من الإجماع ، لأنهم قد أجمعوا أنه لا يستتاب من تحليل الخمر .

أفي ذلك دليل أنه مؤمن بما سواها ، فقد كفروه ، وفيه أكثر الإيمان ، لأنه لو قال بعد استحلاله الخمر : الزنا حلال ، ازداد بذلك كفرا إلى كفره الأول .

فإن قالوا : إنه يزداد كفرا ، ولا يكون بازدياده الكفر تاركا للإيمان ، فقد أصابوا ، لأنه إن كان لم يترك بذلك إيمانا ، فهو إذا رجع عن تلك الخلة لم يصب بها إيمانا .

فإن قالوا : قد يزداد كفرا إلى كفر بلا ترك إيمان ، قد يزعم أن الشمس ربه ، ثم يضيف إليها القمر ، فيزداد كفرا ، ولم يترك بذلك إيمانا . [ ص: 794 ]

قلنا : ليس عن كافر لم يؤمن بشيء سألناكم ، إنما سألناكم عن من زعم أن الله ربه ، ثم قال : إن الشمس أيضا ربه هل ترك إيمانا بالتوحيد ، ولم ينكر الخالق ، فإنما يصاب الإيمان بترك الكفر ، وإنما عليه أن ينفي الشرك ، وليس عليه أن يقر أن الله خالقه ، لأنه مقر بذلك ، ولكن عليه أن يقر أن الله خالقه وحده ، وينفي الشريك الذي أدخله ، وذلك لو أقر أن الله خالقه ، وربه وحده لا شريك له ، ولم يقر بتحريم الزنا ، وإنما عليه أن يقر بتحريم الزنا ، ويؤمن به ، ومنه يستتاب ، ولا يقال له : أقر بأن الله خالقك .

التالي السابق


الخدمات العلمية