تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
قال أبو عبد الله : ويقال لهم : خبرونا عمن اعتقد أن لله ولدا ، ثم عبر بلسان عما في قلبه ، هل العقد منه ، كفر منه ؟ !

فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فهل قوله : لله ولد ، أو شريك ، أو ليس بإله ، إذا قاله مقرا بلسانه ، عما في قلبه ، هل يكون العبارة منه بذلك كفرا ؟

فإن قالوا : لا ، قيل لهم : فكذلك إقراره بلا إله إلا الله ، يكون إيمانا .

فإن قالوا : إن إقراره الأول إيمان ، وتكراره ليس بإيمان . [ ص: 795 ]



قيل لهم : وكذلك الكفر .

فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : عبارة كعبارة أولها المبتدأ بها كفر ، والثاني : لا كفر ، وهذا التناقض .

فإن قالوا : إن جميع ذلك إيمان ، لأنه من جنس الإقرار ، قيل لهم : فقد ازداد العبد إيمانا ، فإذا أمسك عن التكرار ، وكرر غيره ، كان هذا المكرر أكثر إيمانا من الذي لم يكرره ، وقد دخلتم في أعظم مما عبتم على مخالفيكم ، إذ زعموا أن الفرض من الإيمان ، وجعلتم أنتم النافلة من الإيمان ، فقد ثبتم التطوع إيمانا ، فيجب أن يكون في قوله : تركه كفر ، إذ كان ضده إيمانا .

فإن قالوا : إن تكراره في الفرائض : لا إله إلا الله إيمان ، ولا يكون التكرار في التطوع إيمانا .

قيل لهم : وإذا جاء بفريضة كالصلاة ، فيها التشهد ، والذكر ، حمله على ذلك خوف الله ، وطلب رضاه ، ثم ضيعها من الغد ، أيضيعها ، وهو على خوفه الأول وخضوعه لله بأداء الفرائض ؟

فإن قالوا : لا ، قيل لهم : فهل نقص من إيمانه ، إذ زال خوفه الأول ، ورغبته التي هاجته على الصلاة ؟

فإن قالوا : ليس تكراره من إيمانه في فرض ، ولا غيره . [ ص: 796 ]

قيل لهم : فكذلك ليس تكرار الكافر الجحد بلسانه ، وإضافته إلى الله الولد ، والشريك من كفره .

فإن قالوا : ليس هو من كفره ، قيل لهم : فما جعل أول الجحد بلسانه كفرا ، ولم يجعل الجحد الثاني بلسانه كفرا ، وهما واحد في معناهما ، لا يختلفان ، والنهي عنهما ثابت ، وإنما هما عبارة عن الجحد ، فلئن كان كلاهما جحدا ، واحدهما كفر ، والآخر ليس بكفر ، ليجوز أن يكونا كلاهما كفرا ، واحدهما جحد ، والآخر ليس بجحد ، إذ لا معنى للكفر إلا الجحد ، وهل يختلف الناس في اللغة ، أن رجلا لو جحد رجلا حقه ، ثم عاد إليه ، فسأله ، فجحده أن يقال : كلما سأله حقه جحده ، وكذلك يقال : كفره حقه ، فلا فرقان بين الجحدين .

فإن زعمتم أن الأول كفر ، والثاني ليس بكفر ، فقد خرجتم من اللغة ، ولا بد من أن تأتوا بحجة .

فإن قالوا : إن الأول ، والآخر ليس بكفر ، فقد ثبت أن الكفر عقد في القلب ، وليس الجحد باللسان من الكفر في شيء ، فكذلك المعرفة بالقلب إيمان ، وليس الإقرار باللسان من الإيمان في شيء .

فإن قالوا : بينهما فرقان ، سئلوا عن الفرقان ، ولن يأتوا به . [ ص: 797 ]

ويقال لهم : أخبرونا عمن كان يوحد الله في الفترة ، كزيد بن عمرو بن نفيل ، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمن به ، هل ازداد إيمانا ؟

فإن قالوا : نعم ، قيل كذلك من كان يكفر بالله ، قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فكفر به ، فقد ازداد كفرا ؟ !

فإن قالوا : نعم ، كلاهما يزداد ، هذا الكافر يزداد كفرا ، وهذا المؤمن يزداد إيمانا ، لأنهما لم يخرجا من باب تصديق ، وجحد .

قيل لهم : أليس هو جحد بعد جحد ، فكذلك إذا كرر الجحد ، فتكراره كله كفر ؟

فإن قالوا : إذا أتى بجحدين في أول البداية لمعنيين مفترقين كان كفرا ، فإذا أتى بجحدين لمعنى واحد ، كانت البداية كفرا ، والثاني ليس بكفر .

قيل لهم : هذا تحكم ، فأتوا بلغة ، أو معقول ، ونحن موجدوهم في اللغة ، مثل ذلك : أن العامة إذا سمعت النصراني تشهد أن لله ولدا ، قالوا له : تكلمت بالكفر ، وهذا يا عدو الله الكفر ، وإن كان يكررها إن بلغ مائة سنة ، فهو متكلم بالكفر مكرر ، فكذلك المكرر للشهادة لله بالتوحيد ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، يتكلم بالإيمان أبدا . [ ص: 798 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية