الفرق بين الخلق والأمر : 
فأعلمنا - جل وعلا - أنه يكون كل مكون من خلقه بقوله : 
كن فيكون ، وقوله : 
كن  : هو كلامه الذي به يكون الخلق . 
وكلامه - عز وجل - الذي به يكون الخلق غير الخلق ، الذي يكون مكونا بكلامه ، فافهم ، ولا تغلط ، ولا تغالط . 
ومن عقل عن الله خطابه ، علم أن الله سبحانه لما أعلم عباده المؤمنين أنه يكون الشيء بقوله : 
كن ، إن القول الذي هو كن غير المكون ، بكن المقول له كن .  
[ ص: 392 ] وعقل عن الله : أن قوله : 
كن لو كان خلقا - على ما زعمت الجهمية المفترية على الله - كان الله إنما يخلق الخلق ، ويكونه بخلق ، لو كان قوله : 
كن خلقا . 
فيقال لهم : يا جهلة ؛ فالقول الذي يكون به الخلق على زعمكم - لو كان خلقا ، - ثم يكونه على أصلكم . 
أليس قود مقالتكم الذي تزعمون أن قوله : 
كن إنما يخلقه بقول قبله ؟ وهو عندكم خلق . 
وذلك القول يخلقه بقول قبله ، وهو خلق ، حتى يصير إلى ما لا نهاية له ، ولا عدد ، ولا أول ، وفي هذا إبطال تكوين الخلق ، وإنشاء البرية ، وإحداث ما لم يكن قبل أن يحدث الله الشيء ، وينشئه ويخلقه . 
وهذا قول لا يتوهمه ذو لب ، لو تفكر فيه ، ووفق لإدراك الصواب والرشاد .  
[ ص: 393 ] قال الله سبحانه وتعالى : 
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، فهل يتوهم مسلم - يا ذوي الحجا - أن الله سخر الشمس والقمر والنجوم مسخرات بخلقه ؟ . أليس مفهوما عند من يعقل عن الله خطابه ، أن الأمر الذي سخر به المسخر غير المسخر بالأمر ، وأن القول غير المقول له ؟ . فتفهموا - يا ذوي الحجا - عن الله خطابه ، وعن النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بيانه ، لا تصدوا عن سواء السبيل ، فتضلوا كما ضلت الجهمية عليهم لعائن الله .