1. الرئيسية
  2. التوحيد لابن خزيمة
  3. أبواب إثبات صفة الكلام لله عز وجل
  4. باب ذكر البيان من كتاب ربنا المنزل على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
صفحة جزء
3 - (000) : وثنا أبو موسى ، قال : حدثني محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت كريبا ، يحدث ، عن ابن عباس ، عن جويرية ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر عليها " . فذكر الحديث ، وهو أتم من حديث ابن عيينة ، وقالا في الخبر : " سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه . . . . " .

[ ص: 396 ] وقال في كل صفة ثلاث مرات . خرجته في كتاب الدعاء .

قال أبو بكر : فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولي بيان ما أنزل الله (عليه) من وحيه قد أوضح لأمته ، وأبان لهم أن كلام الله غير خلقه ، فقال : " سبحان الله عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته " .

ففرق بين خلق الله ، وبين كلماته ، ولو كانت كلمات الله من خلقه لما فرق بينهما .

ألا تسمعه حين ذكر العرش ، الذي هو مخلوق نطق - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ، لا تقع على العدد ، فقال : " زنة عرشه " ، والوزن غير العدد ، والله - جل وعلا - قد أعلم في محكم تنزيله أن كلماته لا يعادلها ، ولا يحصيها محص من خلقه .

ودل ذوي الألباب من عباده المؤمنين على كثرة كلماته :

وأن الإحصاء من الخلق لا يأتي عليها ، فقال - عز وجل - : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ، وهذه الآية من الجنس الذي نقول : مجملة غير مفسرة ، معناها : (قل يا محمد ، لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ، فكتبت به كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد) كلمات ربي ، ولو جئنا بمثله مددا .

والآية المفسرة لهذه الآية : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ، [ ص: 397 ] فلما ذكر الله الأقلام في هذه الآية ، دل - ذوي العقول - بذكر الأقلام أنه أراد : لو كان ما في الأرض ، من شجرة أقلاما ، يكتب بها كلمات الله ، وكان البحر مدادا فنفد ماء البحر - لو كان مدادا لم تنفد كلمات ربنا .

وفي قوله : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ، أيضا ذكر مجمل ، فسره بالآية الأخرى ، لم يرد في هذه الآية أن لو كتبت بكثرة هذه الأقلام ، بماء البحر كلمات الله ، وإنما أراد لو كان البحر مدادا ، كما فسره في الآية الأخرى .

وفي قوله - جل وعلا - : لو كان البحر مدادا الآية ، قد أوقع اسم البحر على البحار في هذه الآية ، أي : (على البحار كلها) ، واسم البحر قد يقع على البحار كلها ؛ لقوله : هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك الآية .

وكقوله : والفلك تجري في البحر بأمره ، والعلم محيط ، أنه لم يرد في هاتين بحرا واحدا من البحار ؛ لأن الله يسير من أراد من عباده في البحار .

[ ص: 398 ] وكذلك الفلك ، تجري في البحار بأمر الله ، لا أنها كذا في بحر واحد .

وقوله : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ، يشبه أن يكون من الجنس الذي يقال : إن السكت ليس خلاف النطق ، لم يدل الله بهذه الآية أن لو زيد من المداد على ماء سبعة أبحر ، لنفدت كلمات الله - جل الله - عن أن تنفد كلماته - .

والدليل على صحة ما تأولت هذه الآية : أن الله - جل وعلا - : قد أعلم في هذه الآية الأخرى ، أن لو جيء بمثل البحر مدادا ، لم تنفد لكلمات الله ، معناه : لو جيء بمثل البحر مدادا ، فكتب به أيضا كلمات الله لم تنفد .

واسم البحر ، كما علمت يقع على البحار كلها ، ولو كان معنى قوله في هذا الموضع قل لو كان البحر مدادا ، بحرا واحدا ، لكان معناه في هذا الموضع ، أنه لو كان به بحر واحد ، لو كان مدادا لكلمات الله ، وجيء بمثله - أي ببحر ثان - لم تنفد كلمات الله .

فلم يكن في هذه الآية دلالة ، أن المداد لو كان أكثر من بحرين ، فكتب [ ص: 399 ] بذلك أجمع كلمات الله ، نفدت كلمات الله ؛ لأن الله قد أعلم في الآية الأخرى : أن السبعة الأبحر لو كتب بهن جميعا كلمات الله ، لم تنفد كلمات الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية