1. الرئيسية
  2. التوحيد لابن خزيمة
  3. باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم تأولها بعض من لم يتحر العلم
صفحة جزء
8 - ( 42 ) : وروى الثوري ، هذا الخبر مرسلا غير مسند ، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبح الوجه ، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن " .

[ ص: 87 ] قال أبو بكر : وقد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء ، عالم ممن لم يتحر العلم ، وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات ، فغلطوا في هذا غلطا بينا ، وقالوا مقالة شنيعة مضاهية لقول المشبهة ، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم .

والذي عندي - في تأويل هذا الخبر - إن صح من جهة النقل موصولا : فإن في الخبر عللا ثلاثا :

، إحداهن : أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده ، فأرسل الثوري ولم يقل : عن ابن عمر .

والثانية : أن الأعمش مدلس ، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت .

والثالثة : أن حبيب بن أبي ثابت : أيضا مدلس ، لم يعلم أنه سمعه من عطاء ، سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول : ثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش قال : قال حبيب بن أبي ثابت : لو حدثني رجل عنك بحديث لم أبال (أن أرويه عنك ، يريد لم أبال أن أدلسه .

قال أبو بكر : ومثل هذا الخبر) ، لا يكاد يحتج به علماؤنا من أهل الأثر ، لا سيما : إذا كان الخبر في مثل هذا الجنس ، فيما يوجب العلم لو ثبت ، ولا فيما يوجب العمل بما قد يستدل على صحته وثبوته بدلائل من نظر ، وتشبيه ، وتمثيل بغيره من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق الأحكام والفقه .

فإن صح هذا الخبر مسندا - بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن [ ص: 88 ] أبي ثابت ، وحبيب قد سمعه من عطاء بن أبي رباح ، وصح أنه عن ابن عمر - على ما رواه الأعمش - فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر ، إنما هو من إضافة الخلق إليه ؛ [ ص: 89 ] [ ص: 90 ] [ ص: 91 ] لأن الخلق يضاف إلى الرحمن ، إذ الله خلقه ، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن ، لأن الله صورها ، ألم تسمع قوله - عز وجل - : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، فأضاف الله الخلق إلى نفسه ، إذ الله تولى خلقه ، وكذلك قول الله - عز وجل - : هذه ناقة الله لكم آية ، فأضاف الله الناقة إلى نفسه ، وقال : تأكل في أرض الله ، وقال : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، قال : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده .

[ ص: 92 ] فأضاف الله الأرض إلى نفسه ، إذ الله تولى خلقها فبسطها ، وقال : فطرت الله التي فطر الناس عليها ، فأضاف الله الفطرة إلى نفسه إذ الله فطر الناس عليها ، فما أضاف الله إلى نفسه على معنيين :

أحدهما : إضافة الذات .

والآخر : إضافة الخلق .

فتفهموا هذين المعنيين ، لا تغالطوا فمعنى الخبر إن صح من طريق النقل مسندا ، فإن ابن آدم : خلق على الصورة التي خلقها الرحمن ، حين صور آدم ، ثم نفخ فيه الروح ، قال الله - جل وعلا - : ولقد خلقناكم ثم صورناكم والدليل على صحة هذا التأويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية