أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
ولما اضطرب هذا الحديث وقد ذكرنا صلاة القاعد ، أردنا أن ننظر في كيفيتها ، فوجدنا أهل العلم في ذلك على أقوال .

أما أحدها وهو مذهب أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، فإنه يصلي متربعا ، ثم يركع في تربعه ، فإذا أراد السجود حل تربعه وسجد .

وأما أحدها أيضا ، فإنه يقعد فيها كما يقعد في التشهد في الصلاة ، وممن قال ذلك منهم زفر .

وأما أحدها أيضا فإنه يصلي متربعا ، فإذا أراد الركوع حل تربعه ثم ركع ، وقد روي هذا القول عن زفر أيضا .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا في الآثار المروية في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نجد فيها إلا ما :

449 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله النخعي ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن مولى السائب ، عن السائب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع " .

فلو ثبت لنا هذا الحديث كرهنا أن يصلي الرجل متربعا ، ولكنه حديث لم يثبت ، لما بين مجاهد وبين السائب ، ولما يتكلمون فيه من ضعف ابن مهاجر ، وقد رواه من هو نظير ابن مهاجر ، وهو ليث بن أبي سليم فلم يتجاوز به مجاهدا .

450 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن شيبة الخدري ، قال : حدثنا شريك ، عن إبراهيم يعني ابن مهاجر ، عن مولاه السائب ، عن عائشة رضي الله عنها ، رفعته قالت : " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع " .

451 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا الخصيب ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : " الصلاة قاعدا على النصف من صلاة غير المتربع " . [ ص: 234 ] ولما لم يثبت لنا في هذا شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرنا فيما روي عن أصحابه فيه فإذا سليمان قد حدثنا ، قال :

452 - حدثنا الخصيب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن الحصين ، عن الهيثم بن شهاب ، قال : قال عبد الله : " لأن أجلس على رضفتين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة " .

وكان هذا مما احتج به من كره الصلاة متربعا ، وقد يجوز أن يكون إنما أراد بذلك التربع في التشهد بغير علة .

453 - وقد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن عاصم ، وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، أنها " رأت أم سلمة تصلي متربعة من رمد كان بها " .

فهذه أم سلمة قد كانت تصلي متربعة ، ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلافا لها في ذلك ، إلا ما قد ذكرناه عن ابن مسعود مما قد يحتمل ما قد ذكرناه فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية