أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون )

قال الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ذهب قوم إلى أن المراد [ ص: 237 ] بهذا هو المحافظة على الصلوات المكتوبات ، وقالوا : هذا كقوله - عز وجل - : ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) . ورووا ذلك عن إبراهيم النخعي .

460 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ، قال : المكتوبة .

وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المراد بهذا هو الإقبال على الصلاة ، ما كان المصلي فيها لا يخلط ذلك بالتفات عن يمينه ولا عن شماله ، ولا باشتغال بغيرها . ورووا ذلك عن عقبة بن عامر الجهني .

461 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني حيوة ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، قال : سألت عقبة بن عامر عن قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) أهم الذين لا يفترون ؟ قال : " هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خلفهم ولا عن أيمانهم ولا عن شمائلهم " .

462 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال حدثنا بكر بن مضر ، قال : حدثنا عمرو بن الحارث ، عن ابن حسان ، أن أبا الخير حدثه ، عن عقبة بن عامر فيما أعلم ، أنه سأل عن قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) .

قال : " هو الرجل القائم ، لا يلتفت يمينا ولا شمالا " .

وكأن هذا التأويل أشبه بالآية ، وأشبه بظاهرها من الأول ، لأنه قد ذكر فيها الديمومة على الصلاة ، فلو كانت المحافظة على الصلاة لم يكن المحافظ على الصلوات مداوما للصلوات ، لأنه يقطعها بخروجه منها ، وليست الديمومة كذلك ، لأنه لا تكون الديمومة بحال إلا بغير انقطاع يحدث فيها قبل آخرها .

ومن ذلك ما قد قال غير واحد من أهل العلم في رجل ، قال : والله لا كلمت فلانا ما دام في هذه الدار ، فخرج منها ، أن يمينه قد بطلت وأنه إن عاد إلى الدار فكان فيها ، ثم كلمه لم يحنث لأن ديمومته فيها قد انقطعت بخروجه منها .

ولو قال : والله لا كلمته ما كان فيها وكان فيها ، ثم خرج عنها ، ثم عاد إليها ، ثم كلمه حنث في يمينه ، لأنه قد تكون كينونة بعد كينونة ، ولا تكون ديمومة بعد انقطاع ، ولأن معنى الديمومة معنى ما دام ، لا معنى ما انقطع [ ص: 238 ] .

كذلك كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، يقولانه في المسألتين ، وكانت الديمومة في الصلاة قد تكون ديمومة ما كانت الصلاة ولا تنقطع إلا بآخرها الذي يكون مع انقطاع الصلاة ، وكان هذا التأويل فيه ديمومة مقدورا عليها ، وكان أولى التأويلين بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية