أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
فإن قال قائل : قد روي عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توقيفه الناس عن نهيه إياهم عن القراءة خلفه على إخراجه فاتحة الكتاب من ذلك وذكر في ذلك ما :

507 - حدثنا الحسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة ، قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر ، فتعايا عليه القراءة ، فلما سلم ، قال : " أتقرؤون خلفي ؟ " ، قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها " .

قيل له : قد اضطرب علينا إسناد هذا الحديث عن مكحول فيمن بينه وبين عبادة ، فرواه محمد بن إسحاق كما ذكرت ، ورواه عنه زيد بن واقد ، فخالفه في إسناده .

508 - كما حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا صدقة يعني ابن خالد ، قال : حدثنا زيد بن واقد ، عن حرام بن حكيم ، ومكحول ، عن نافع بن محمود بن ربيعة ، عن عبادة بن الصامت ، قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض [ ص: 252 ] الصلوات التي يجهر فيها القراءة ، فقال : " لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن " .

وليس نافع بن محمود بمعروف ، فتعارض به مثل الآثار التي قد رويناها في هذا الباب ، وليس ما روى محمد بن إسحاق فيه ، عن مكحول بأولى مما رواه ابن واقد عنه .

وقد روى هذا الحديث رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع ، فأوقفه على عبادة .

509 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن رجاء بن حيوة ، عن محمود بن الربيع ، قال : صليت إلى جنب عبادة ، فقرأ بفاتحة القرآن ، فلما فرغ قلت : يا أبا الوليد ، ألم أسمعك قرأت بفاتحة القرآن ؟ قال : " أجل ، إنه لا صلاة إلا بها " .

وإذا عاد ما في هذا الحديث إلى عبادة غير مرفوع لم يكن ما روي عنه أولى مما روي في خلافه عن غيره ممن ذكرناه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه . وقد روي عن أنس بن مالك في هذا المعنى ما :

510 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : أخبرنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل بوجهه ، فقال : " أتقرؤون والإمام يقرأ ؟ فسكتوا ، فسألهم ثلاثا ، فقالوا : إنا لنفعل ، فقال : لا تفعلوا " .

وليس في هذا استثناء فاتحة الكتاب ولا غيرها .

وإنما أصل حديث عبادة الصحيح عنه ما قد :

511 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " .

فهذا يحتمل أن يكون قد خرج منه من قد جعلت قراءة إمامه له قراءة . [ ص: 253 ]

ثم القياس يشهد لقول من قال بسقوط القراءة عن المأموم إذ كانوا لم يختلفوا في الرجل يأتي إلى إمامه وهو راكع فيدخل معه في صلاته إنه يعتد بتلك الركعة ، وإن لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب ولا غيرها .

فدل ذلك على أن قراءته فاتحة الكتاب لو كانت واجبة عليه في الصلاة خلف الإمام ، لكانت كوجوب القيام والركوع ، والسجود عليه فيها ، ولما حمل الإمام ذلك عنه ، كما لا يحمل عنه القيام ، ولا الركوع ، ولا السجود .

ألا ترى أنه قد أتى من القيام يقومه وإن قل مقدارها عند دخوله في صلاته ، وأنه لا يجزئه أن يدخل في صلاته راكعا .

فدل ذلك على أن الإمام لا يحمل عنه ما يجب عليه أن يأتي به في الحال التي هو مأموم فيها كما يأتي به الإمام ، وأن سقوط القراءة بفاتحة الكتاب وبغيرها عن المأموم في هذه الحال سقوط لها عنه خلف الإمام في كل الأحوال [ ص: 254 ] [ ص: 255 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية