أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
واختلف أهل العلم فيمن ملك من الورق حليا مما تجب عليه فيه الزكاة لو كان دراهم مضروبة [ ص: 263 ] .

فقال قائلون : لا زكاة عليه فيه ، وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي .

وقد روي ذلك عن عائشة ، وعن عبد الله بن عمر ، وعن جابر بن عبد الله .

526 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر " أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب ، ثم لا يخرج منه الزكاة " .

527 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، أن عائشة رضي الله عنها ، كانت " تلي مال أخيها يتامى في حجرها ، لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة " .

528 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا إبراهيم بن يسار الرمادي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سئل عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال : لا فقال له إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد المخزومي : " وإن كان ألف دينار ؟ فقال : ألف دينار كثير أو كبير " .

529 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سئل عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال : لا فقال له رجل : وإن كان ألف دينار ؟ ، فقال : ألف دينار كثير " .

وقال قائلون : الزكاة واجبة فيه كما تجب فيه لو كان عينا ، وممن قال بذلك منهم أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود .

530 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، [ ص: 264 ] عن مساور الوراق ، عن شعيب بن يسار ، قال : كتب عمر إلى أبي موسى من نساء المؤمنين " فليتهادين بينهن وليزكين حليهن " .

531 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد ، عن إبراهيم ، أن امرأة ابن مسعود ، قالت له " إن لي حليا أفأزكيه ؟ قال : نعم ، قالت : فأعطيه ابن أخي أو ابن أختي ؟ قال : نعم " .

وكان حديث إبراهيم هذا عن ابن مسعود ، وإن لم يذكر من بينه وبينه ، عندنا في حكم المتصل عنه وذلك .

532 - أن إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا ، قال : حدثنا وهب بن جرير أو بشر بن عمر بن جعفر ، يشك ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم : إذا حدثتني فأسند ، قال : " إذا قلت : قال لي عبد الله فهو الذي حدثني .

وقد روى سفيان بن سعيد الثوري هذا الحديث عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة بن عبد الله ، فوصله .

533 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله أن امرأته سألت عن الحلي لها ، فقال : " إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة " .

قالت : أفأضعها في بني أخ لي يتامى في حجري ؟ فقال : " نعم " .

وكان هذا القول في القياس أولى القولين عندنا ، لأنا قد رأينا الزكاة واجبة نقر الفضة كهي في الدراهم المضروبة ، وإنما اختلفوا فيها إذا صيغت حليا ، هل تخرج عن حكمها الذي كانت عليه قبل ذلك أو تبقى على ذلك الحكم ؟ .

فرأيناهم لا يختلفون فيها إذا صيغت دراهم أنها لا تخرج بذلك عن حكمها الذي كانت عليه قبل أن تصاغ دراهم ، فالقياس على ذلك أن تكون إذا صيغت حليا ، ألا تخرج بذلك عن حكمها الذي كانت عليه قبل أن تصاغ حليا .

وقد رأينا ما قد أجمعوا على أن لا زكاة في مصوغه ، أنه لا زكاة على النقر منه ، من [ ص: 265 ] ذلك الحديد ، والنحاس ، لا زكاة في مصوغهما ، ولا في النقر منهما .

وفي ثبوت وجوب الزكاة في نقر الفضة دليل على ثبوت وجوبها في مصوغهما حليا ودراهم وغير ذلك .

وقد شبه قوم الحلي بالعوامل من الإبل والبقر ، فقالوا : لا تجب في المستعمل من الإبل والبقر الزكاة ، فكذلك لا تجب في الحلي المستعمل الزكاة ، وكان هذا عندنا غلطا من الشبه بين ذلك ، وذلك أن الحلي لم ينتقل بأن صار حليا عن حكم ما كان عليه قبل أن يكون حليا ، بل قد ثبتت أحكامه على ما كانت عليه قبل ذلك . ألا ترى أنه لا يجوز بيعه بجنسه من الذهب والفضة إلا مثلا بمثل ، ولا بغير جنسه منهما إلا يدا بيد .

وأما العوامل فإن الزكاة لم تكن واجبة في أصلها كما وجبت في أصل الذهب والفضة ، وإنما وجبت الزكاة فيهما بمعنى طرأ عليها من إسامة ما إليها إياها ، فوجبت الزكاة ما كانت سائمة لعلة الإسامة لها ، لا لها في نفسها ، فإذا بطلت العلة التي وجبت الزكاة فيها من أجلها رجعت إلى حكم أصلها ، وبطلت الزكاة عنها .

هذا على قول من لا يوجب في العوامل من الإبل والبقر الزكاة وممن قال بذلك : أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .

وأما من يوجب في أصل العوامل من الإبل والبقر الزكاة وهم : مالك والليث ومن تابعهما على ذلك ، فيوجبون الزكاة فيها بعد انقطاع الإسامة عنها كما كانت واجبة فيها قبل الإسامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية