أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقال قائلون ممن ذهب إلى القول الأول : ليس بين السائمة وغيرها من الإبل فرق والزكاة واجبة في العوامل منها كما تجب في السوائم منها ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفصل في ذلك بين عاملة ولا سائمة وذكروا في ذلك ما :

590 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الله بن عمر ويحيى بن عبد الله بن سالم ، ومالك ، وسفيان بن عيينة ، أن عمرو بن يحيى المازني حدثهم ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " .

قالوا : وكذلك كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائر عماله على الصدقات منهم : عمرو بن حزم ، ولم يذكر فيها سائمة ولا عاملة ، وذلك لاستواء الأحكام فيها وانتقال الاختلاف عنها .

فكان من الحجة عليهم للآخرين من أهل القول الأول أن حديث عمرو بن يحيى الذي ذكروه في هذا الباب : " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " ، وفيه أيضا : " فيما دون خمسة أوسق صدقة ، فلم يكن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - في الأوسق على العموم ، ولا على كل الأوساق ، وإنما كان على خاص منها .

ألا ترى أن من كان عنده خمسة أوسق لم تخرجها أرضه أنه لا زكاة عليه فيها إلا أن تكون للتجارة ، فبلغ قيمتها ما تجب فيه الزكاة ، ويحول عليها الحول فيزكيها .

فلما كان قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ، إنما هو على خاص من الأوسق قد فهمه المخاطبون به ، كان كذلك قوله : " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " على خاص من الأذواد قد علمه المخاطبون بهولما كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ممن قد روي عنه فرائض الإبل على ما : [ ص: 293 ] .

591 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي - رضي الله عنه - ، أنه قال في صدقة الإبل : " في خمس شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه " ، وذكر فرائض الإبل " . وأخرج ذلك على العموم ، وقد كان من قوله : ألا صدقة على العوامل منها ، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب ، دل ذلك أن مراده الإبل السائمة ، لا الإبل العاملة .

ثم قد وجدنا في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لأنس بن مالك حين ولاه على الصدقة ما :

592 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثنا أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس ، أن أبا بكر الصديق لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين ، وكتب له هذا الكتاب : " هذه فريضة من الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، التي أمر الله - عز وجل - بها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطها : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض ، ثم ذكر فرائض الإبل ، ثم ذكر صدقة الغنم ، فقال : وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة فذكر صدقتها " .

593 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد ، وحدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : أخبرنا حماد ، قال : أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله ليبعث إليه بكتاب أبي بكر الذي كتب لأنس حين بعثه مصدقا .

قال حماد : فدفعه إلي ، فإذا عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه ذكر فرائض الصدقات التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين الذي أمر الله - عز وجل - بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئلها على غير وجهها فلا يعطها ، ثم ذكر مثل حديث إبراهيم الذي ذكرناه [ ص: 294 ] .

وكان قد أطلق ذكر الإبل في أول الحديث ، ثم قصد في الغنم إلى السائمة منها . فدل ذلك أن العاملة منها بخلاف السائمة ، وأنه لم يقصد الذكر إلى السائمة في الصدقة إلا وحكمها خلاف ما سواها من المواشي غير السوائم منها .

ولما كان ما خوطبنا به في القرآن من الزكوات لم يرد به وجوبها في كل الأموال ، وإنما أريد به وجوبها في خاص من الأموال وجب ألا يدخل فيما أجمعوا على أن المراد به الخاص ، إلا ما قد أجمعوا على دخوله فيه ، وما دل على دخوله فيه سنة قائمة أو قياس صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية