أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
باب صدقة المواشي السائمة

وأما المواشي السائمة فلا اختلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة فيها ، وفي دخولها في آي الزكاة المذكورة في القرآن .

فأما ما كان منها من الغنم فلا شيء فيه حتى تكون أربعين ، فإذا كانت أربعين وحال عليها الحول ففيها شاة ، ثم كذلك فيما فوق الأربعين ، حتى تكون عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها شاتان ، ثم كذلك فيما فوق الإحدى والعشرين والمائة حتى تكون مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم كذلك فيما فوق المائتين والواحدة حتى تكون أربع مائة ، وإذا كانت أربع مائة ففيها أربع شياه ، ثم كذلك أبدا في كل مائة شاة شاة .

وهذا ما لا نعلم فيه اختلافا بين أهل العلم .

وأما ما كان منها من البقر فلا شيء فيه حتى تبلغ ثلاثين ، فإذا بلغت ثلاثين وحال عليها الحول ففيها تبيع أو تبيعة منها ، ثم كذلك فيما فوق الثلاثين ، حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، فما زاد على ذلك ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة ، غير أنه قد روي عن أبي حنيفة فيما زاد على الأربعين من البقر قولان ، أحدهما : أن فيه الزكاة بحساب ذلك . حدثنا بذلك سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة [ ص: 295 ] .

والآخر : أنه لا شيء فيها حتى تكون ستين ، فيجب فيها تبيعان ، ثم كذلك ما زاد على كل عشرة ، فلا شيء فيه حتى تبلغ عشرة أخرى فتضم إليها فزكى على حساب كل ثلاثين تبيع ، وكل أربعين مسنة ، روى ذلك عنه أبو المنذر أسد بن عمرو البجلي ، وهو قول أبي يوسف ، ومحمد من رأيهما . حدثنا بذلك من قولهما سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف من رأيه ، وحدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد من رأيه .

وقد روي عن ابن المسيب ، وأبي قلابة ، والزهري ، وقتادة أنهم كانوا يقولون في خمس من البقر شاة ، ولم نحتج إلى ذكر أسانيد ذلك ، إذ كان هذا القول منهم من الشواذ ، ومما لا يلتفت إليه ، وإذ كان أهل العلم جميعا سواهم على خلاف قولهم في ذلك ، وإذ كان قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه من بعده خلاف قولهم في ذلك .

594 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، وشقيق كلهم ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى اليمن " أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة " .

595 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عمار بن غزية ، عن عبد الله بن أبي بكر أنه أخبره ، أن هذا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم في فرائض البقر : " ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رابع ، والرابع الجذع إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة " .

596 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، قال : حدثني حميد بن قيس ، [ ص: 296 ] عن طاوس ، أن معاذا أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين بقرة مسنة ، وأتي بما دون ذلك ، فأبى أن يأخذ منه ، وقال : " لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فيه " ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ .

597 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي - رضي الله عنه - " في ثلاثين بقرة تبيع ، وفي أربعين بقرة مسنة " .

في قصدهم في هذه الآثار إلى الثلاثين وإلى الأربعين دليل أن حكم ما دون كل واحد منها بخلافه .

ومما يدل على ذلك أيضا أن معاذا لما أتي بدون ذلك فلم يأخذ منه شيئا ، إذ كان ما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنده من ذلك غير مبيح له أخذ الزكاة مما دون ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية