أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وهذا الذي ذكرنا من الفرائض في المواشي السائمة ، فعلى المسان منها فأما إذا كانت عجاجيل كلها ، أو فصلانا كلها ، أو حملانا كلها ، فإن أهل العلم يختلفون في ذلك ، فطائفة منهم تقول : لا شيء فيها ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، ومحمد حدثنا ابن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة بذلك .

قال محمد : وهو قولنا ، وقد روي هذا عن الشعبي .

621 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : " ليس على الفصال حتى تكون بنات مخاض صدقة ولا على السخال ولا على البقر حتى تجذعن " .

وطائفة منهم تقول : فيها مثل الذي كان يجب فيها لو كانت مسانا كلها . وممن قال بذلك منهم : زفر . حدثنا بذلك محمد عن يحيى بن سليمان ، قال : أخبرنا الحسن بن زياد ، عن زفر بهذا القول .

وطائفة تقول : فيها الزكاة ، ويؤخذ العدد الذي يجب فيها منها ، ولا يكلف صاحبها أن [ ص: 307 ] يأتي بما هو أسن من جميعها وممن قال بذلك : أبو يوسف ، حدثنا محمد ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف بمعنى هذا القول ، وإن كنا قد زدنا في كشف معناه .

وقد رويت هذه الأقوال الثلاثة عن أبي حنيفة غير أن آخر أقواله التي ثبت عليه منها القول الذي ذكرناه عنه في هذا الباب . حدثنا بذلك من أقواله هذه أحمد بن أبي عمران ، عن ابن سماعة ، عن أبي يوسف ، أن أبا حنيفة كان قال هذه الأقوال كلها ، ورجع من بعضها إلى بعض .

ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما أجمعوا عليه من أشكاله لنعطف ما اختلفوا فيه عليه ، فرأيناهم يقولون في المواشي : إذا كانت مسانا وصغارا بعد أن تكون المسان منها في هذا العدد الذي تجب فيه الزكاة ، فحال عليها الحول أنه يحسب على صاحبها بصغارها كما يحسب عليه بمسانها وكذلك روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الاحتساب بالصغار على أهلها مع الكبار منها .

622 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي ، عن جده سفيان بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعثه مصدقا وكان يعتد على الناس بالسخل ، فقالوا : أتعتد علينا بالسخل ، ولا تأخذ منها شيئا ؟ فلما قدم على عمر ذكر ذلك له ، فقال عمر : " نعم ، نعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ، ولا نأخذها ، ولا نأخذ الأكولة ، ولا الربى ، ولا الماخض ، ولا فحل الغنم ، ونأخذ الجذعة ، والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره " .

623 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي ، قال : بعث عمر عاملا له من ثقيف على الصدقة ، فتخلف يوما ، فقال : " لا أراك متخلفا ، ولك أجر الغازي في سبيل الله - عز وجل - " فقال : يا أمير المؤمنين ، وإنك لتقول ذلك ، وإنهم ليقولون : إنكم تظلموننا تحسبون علينا الصغيرة ولا تأخذونها ، قال : " احسبها ، وإن جاء بها الراعي في كفه ، وأنت أيضا فقل لهم : إنا ندع الربى ، والأكيلة ، والماخض ، والفحل " .

قال الحكم : الربى : التي تربي ولدها ، والأكيلة : السمينة ، والماخض : الوالد ، والفحل : هو الفحل المعروف .

624 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا عبيد الله بن [ ص: 308 ] عمر ، عن بشر بن عاصم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بعثني عمر على صدقات قومي ، فاعتددت لهم بالبهم ، فقالوا : إن كنت تعدها من الغنم فخذها منها ، فلقيت عمر ، فأخبرته بذلك ، فقال : " اعتد بها عليهم ، وإن جاء بها الراعي يحملها في كفه " وقال : " إنا ندع لهم الماخض ، والربى ، وشاة اللحم ، وفحل الغنم ، ونأخذ الجذع ، والثني ، فذلك وسط من المال بيننا وبينهم " .

فلما كانت الصغار تحتسب بها فيما ذكرنا حتى تجعل كالمسان كلها ، كانت كذلك إذا كانت صغارا كلها كالمسان في الواجب فيها .

وكان مما يدخل على أهل هذا القول ، أن هذا لو كان فيما ذكرت ، لكانت المسنة تؤخذ من الصغار وإن جاوزت قيمتها قيم الصغار ، واستحال أن يكون ذلك كذلك ، لأنا وجدنا الزكاة المتفق عليها ، إنما هي أجزاء من المال الذي وجبت فيه ، أو شيء تكون قيمته قيمة جزء من المال الذي وجبت فيه ، ولا تكون قيمته تفي بالمال الذي تجب فيه ولا تجاوزه ، فبطل بذلك القول الأول ، وثبت أحد القولين .

التالي السابق


الخدمات العلمية