أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
ولما بطل أن تكون المسنة تجب في غير المسان ، وكانت الماشية إذا كان فيها صغار وكبار فوجب فيها الزكاة ، ولم يؤخذ الصغار عن زكاتها وأخذ من الكبار عن زكاتها بمقدار ما وجب فيها ، وكانت إذا كانت صغارا وليس ما يؤخذ في الزكاة عن الكبار ، ولا من الكبار والصغار ، بطل بذلك أن تكون فيها زكاة أصلا ، كما كان أبو حنيفة ، ومحمد يقولان في ذلك .

ثم نظرنا في ذلك وتأملناه فلم نجده فيما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على قول من هذه الأقوال التي ذكرنا ، فوجدنا يزيد بن سنان .

625 - قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : حدثنا سليمان يعني ابن كثير ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر ، كيف نقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " .

قال أبو بكر : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوا مني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها [ ص: 309 ] .

قال عمر : فوالله ما هو إلا رأيت أن الله - عز وجل - شرح صدر أبي بكر بالقتال ، فعرفت أنه الحق .


626 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن أبا هريرة أخبره ، ثم ذكر مثله .

627 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عمر بن عاصم الكلابي ، قال : حدثنا أبو العوام عمران بن داود القطان ، قال : حدثنا معمر بن أسد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العرب .

قال : فقال عمر : يا أبا بكر ، ارتدت العرب ، قال : فقال أبو بكر : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا منعوا مني دماءهم وأموالهم " والله لو منعوني عناقا كما كانوا يعطون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقاتلنهم عليه .

قال : فقال عمر : فلما رأيت رأي أبي بكر قد شرح عرفت أنه الحق .


وكان فيما روينا من هذا الحديث قول أبي بكر : والله لو منعوني عناقا كانوا يعطون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها ، فكان في ذلك ما يدل على أن العناق قد كانت تؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة .

ولا اختلاف بين أهل العلم أن الغنم إذا كانت منها مسان وعنق ، أن صدقاتها مأخوذة من المسان لا من العنق ، فكان في ذلك ما قد دل أن العنق لم يكن يؤدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عنق لا مسان فيها ، فثبت بذلك القول الذي ذكرناه عن أبي يوسف من الأقوال التي ذكرناها في هذا الباب [ ص: 310 ] .

وإن لم تكن هذه المواشي التي ذكرناها صغارا ، ولكنها كانت عجافا كلها ، وكانت عند رجل خمس من الإبل عجاف لا تساوي شاة ، فإن أبا يوسف كان يقول فيما روى عنه الحسن بن زياد : فيها واحد منها ، قال : ولا أوجب عليه واحدا من غيرها أكثر من واحد منها .

وكان محمد بن الحسن ، يقول : أعتبر الأمر في ذلك ، فأقول : لو كان عنده خمس من الإبل أوساط لكانت عليه شاة وسط ، فإذا كانت عنده خمس من الإبل عجافا نظرت إلى خمسة من الأوساط ، فكانت قيمتها مائة درهم قيمة كل واحدة منها عشرون درهما ، ففيها شاة وسط قيمتها عشرة دراهم .

فأعلم بذلك أن الشاة التي قيمتها عشرة دراهم إنما تجب في خمس من الإبل قيمتها مائة درهم ، فإذا كانت الإبل عجافا لا تساوي مائة درهم نظرت كم قيمتها من المائة الدرهم ؟ وكأنها مثلا عشرون درهما قيمة كل واحد منها أربعة دراهم ، فعلمت بذلك أن الذي في العشر من الواجب في المائة خمسة ، فأقول لصاحب الإبل الخمس العجاف عليك شاة قيمتها درهمان ، فإذا أديت إلى هذا المصدق شاة قيمتها درهمان قبلها منك ، وإن أديت إليه شركا من شاة يساوي ذلك الشرك منها درهمان قبله منك ، وإن أديت إليه درهمين قبلهما منك ، فكان هذا القول عندنا أحسن من قول أبي يوسف الذي رويناه عنه .

واختلف أهل العلم في العدد من المواشي إذا كانت صغارا وكبارا ، وكانت عند رجل أقل من أربعين من الغنم مسان ، فكانت عنده صغار ، ويكمل بها العدد الذي تجب فيه الزكاة منها .

فقال قائلون : فيها الزكاة وتعتد بصغارها . وممن قال بذلك منهم أبو حنيفة ، ومالك ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله .

وقال قائلون : لا يعتد بالصغار مع الكبار ، حتى تكون الكبار أربعين فصاعدا . وممن قال بذلك الشافعي - رضي الله عنه - .

وهذا قول ما علمنا أحدا تقدمه فيه ، وقد دفع ذلك خبر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، لأنه أمر سفيان بن عبد الله الثقفي حين بعثه مصدقا أن يعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي في كفه ، ولم يقدر في ذلك أربعين ، ولا غير أربعين وجعل ذلك مطلقا في كل المواشي ، ولا نعلم عمن أخذ هذا التفصيل [ ص: 311 ] .

فأما حديث عمر - رضي الله عنه - الذي رويناه فقد خالفه ، وقد يكون عند الرجل الغنم من المسان في أول الحول أربعون منها ، يموت منها بعضها ، ثم تلد الباقيات منها قبل تمام الحول بيوم ، ما يكمل به الأربعون فيدخل ذلك في قول عمر - رضي الله عنه - : " احسبها عليهم ، وإن جاء بها الراعي يحملها في كفه " ، ويكون على صاحب هذه الأربعين التي قد كملت بالأولاد ما عليه في الأربعين التي مر عليها الحول كلها وهي في يده .

وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، يقولون في هذا فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف .

قال محمد : وهو قولنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية