أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما الذي وجدناه فيما روى أهل الكوفة فإن فهدا .

651 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن القاسم الحراني ، المعروف بسحيم ، قال : حدثنا زهير بن [ ص: 323 ] معاوية الجعفي ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، قال : حججت مع عمر بن الخطاب ، فأتاه ناس من أشراف أهل الشام ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا قد أصبنا دواب وأموالا ، فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا وتكون لنا زكاة ، فقال : " هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي ، ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين .

فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فيهم علي بن أبي طالب " ، فقالوا : حسن ، وعلي ساكت لم يتكلم معهم ، فقال : " ما لك يا أبا حسن لا تتكلم ؟ " ، قال : " قد أشاروا عليك ، ولا بأس بما قالوا إن لم يكن أمرا واجبا ، وجزية راتبة يؤخذون بها " .

قال : فأخذ من كل عبد عشرة ، ومن كل فرس عشرة ، ومن كل هجين ثمانية ، ومن كل برذون وبغل خمسة دراهم في السنة ، ورزقهم كل شهر الفرس عشرة دراهم ، والهجين ثمانية ، والبرذون والبغل خمسة خمسة ، والمملوك جريبين جريبين كل شهر " .

وكان هذا الحديث أكشف الأحاديث التي روينا في هذا الباب للمعنى الذي اختلفوا فيه ، وللوجه الذي من أجلهأخذ عمر الصدقة من الخيل وفيه أن عمر ، قال لهم لما سألوه ذلك : " هذا شيء لم يفعله اللذان كانا قبلي ، يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر - رضي الله عنه - ففي هذا أكثر الحجة لمن نفى أن تكون على الخيل صدقة ، وفيه أن الخيل التي أرادوا من عمر - رضي الله عنه - أخذ الصدقة منها لملكهم إياها إرادة التطهير والتزكي منها ، ليس لأنها سائمة ، ولكن لإرادة التبرر بالصدقة من أجلها ، وأنهم سألوه مع ذلك أن يأخذ الصدقة من بغالهم ومن عبيدهم كذلك ، والبغال فليس مما يوجب أبو حنيفة ، وزفر في سائمتها الصدقة .

فلما كان ما أخذ منها عمر عن البغال ليس لأنها سائمة كان ما أخذ منهم عن الخيل أيضا ليس لأنها سائمة .

وفيه أن عمر رزقهم في عبيدهم ، وفي خيلهم ، وفي بغالهم ، عوضا مما أخذ منهم أكثر من ذلك ، وجميع ما ذكرنا فمفسد لما ذهب إليه أبو حنيفة ، وزفر في هذا الباب [ ص: 324 ] .

ثم النظر يفسد ما ذهبا إليه ، لأنهما لم يجعلا للخيل السائمة التي أوجبا فيها الصدقة عددا معلوما كسائر المواشي سواها ، التي لا تجب فيها الصدقة ، حتى يكون لها عدد معلوم ، ولأنهما لم يوجبا فيها الزكاة إذا كانت ذكورا بلا إناث ، ولا إذا كانت إناثا بلا ذكور حتى تكون ذكورا وإناثا ، وحتى يكون أصحابها يلتمسون نسلها وهذا خلاف حكم سائر المواشي المتفق على وجوب الصدقة فيها .

ويفسد عليهما بالقياس بوجه آخر وهو : أنا رأينا السوائم المتفق على وجوب الصدقة فيها ، لا يجب في صدقتها دراهم ولا دنانير ، إنما يجب فيها حيوان من جنسها ، أو من غير جنسها ، ويفسد عليهما من وجه وهو أنا رأينا البغال والحمير ، وهي ذوات حوافر ، لا صدقة فيها سائمة كانت أو عاملة ورأينا الإبل ذوات أخفاف في سائمتها الصدقة رأينا البقر والغنم ذوات أظلاف في سائمتها الصدقة ، فكان أولى بهما في الخيل التي هي ذوات حوافر ، أن يرد حكمها إلى حكم ذوات الحوافر من البغال والحمير ، لا إلى حكم ذوات الأخفاف والأظلاف ، وبالله التوفيق .

وقد روي عن جماعة من المتقدمين ما يوافق هذا .

652 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن عبد الله بن دينار ، قال : " سألت ابن المسيب ، عن صدقة البراذين ، قال : وهل في الخيل صدقة ؟ " .

653 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، قال : قلت لسعيد بن المسيب ، فذكر مثله .

654 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قال : جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى : " ألا تأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة .

655 - " حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : " ليس على الخيل والبراذين والحمير صدقة " [ ص: 325 ] .

656 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا المبارك ، قال : أخبرنا مالك بن مغول ، قال : " سألت عطاء عن الخيل السائمة فلم ير فيها صدقة " .

657 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم مثله .

وقد روي في ذلك عن الزبير ، وابن عباس ما ينفي الصدقة عن الخيل أيضا .

658 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن لهيعة ، قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، أنه سمع عروة بن الزبير ، يقول : كان للزبير بن العوام خيل عظيمة محشرة بالحمى ، " فلم يكن يخرج منها صدقة " .

659 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سمعت ابن عباس وسئل عن الخيل أفيها صدقة ؟ فقال : " ليس على الفرس الغازي في سبيل الله صدقة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية