أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد خالفهم في ذلك غير واحد من أهل العلم منهم : مالك .

حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، أنه سمع أهل العلم يقولون في الركاز : إنما هو دفن الجاهلية مما لم يطلب بمال ، ولم يكلف فيه كبير عمل ، فأما ما طلب بمال أو كلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز .

قال مالك رحمه الله : هذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وقالوا : دفن أهل الجاهلية مما غنمه أهل الإسلام فحكمه حكم الغنائم .

يقال لهم : أما ما تأولتموه في الركاز ، فلم يحكوا لنا فيه أثرا متقدما يوجب لكم الحجة على مخالفيكم . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل أنه عنى دفن أهل الجاهلية ، وذلك أن يونس .

665 - حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عمر بن الحارث ، وهشام بن سعيد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف ترى فيما يؤخذ في الطريق المئتاء أو في القرية المسكونة ؟ قال : " عرفه سنة ، فإن جاء باغيه فادفعه إليه وإلا بسائل به ، فإن جاء طالبه يوما من الدهر فأده إليه ، وما كان في الطريق غير المئتاء أو القرية غير المسكونة ففيه وفي الركاز الخمس " .

أفلا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل الركاز غير الموجود في القرية ، وقد يكون الموجود فيها ظاهرا على أرضها أو مغيبا في أرضها فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الركاز في هذا الحديث غيرهما . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ما وجهه أبين من وجه هذا .

666 - حدثنا جعفر بن أحمد بن الوليد الأسلمي ، قال : أخبرنا بشر بن الوليد ، قال : أخبرنا أبو يوسف ، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن جده ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في بئر جعلوها عقلة ، وإذا قتلته دابة جعلوها عقلة ، وإذا قتله معدن جعلوه عقلة ، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " المعدن جبار ، والبئر جبار ، والعجماء جبار ، وفي الركاز الخمس " فقلنا : يا رسول الله ، وما الركاز ؟ قال : " الذهب الذي خلق الله - عز وجل - في الأرض يوم خلقت " . [ ص: 330 ] .

وهو في لغة العرب هكذا ، ومنه قول الله - عز وجل - : ( أو تسمع لهم ركزا ) أي : تسمع لهم صوتا خفيا لغيبوبتهم عنه .

ومنه قالوا : ركزت الرمح أي : غيبته ، فكل مغيب في الأرض مركوز فيها مما غيبه الله - عز وجل - فيها أو مما غيبه بنو آدم .

وقد روي عن ابن عباس ما يدل على أن مذهبه في المعادن هذا المذهب .

667 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سئل ابن عباس عن العنبر هل فيه صدقة ؟ فقال : " إن كان فيه شيء ففيه الخمس " .

فلما كان ابن عباس - رضي الله عنه - قد رد حكمه ، إن كان فيه شيء الخمس وهو مستخرج من البحر ، كان الذهب والورق المستخرجان من الأرض كذلك أيضا .

وقد كان الزهري ، وهو الذي روى حديث الركاز الذي ذكرنا ، يذهب في المعادن إلى وجوب الخمس فيما وجد فيها .

668 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا يونس ، عن الزهري " في الركاز المعدن واللؤلؤ يخرج من البحر ، والعنبر من ذلك الخمس " .

وأما قولهم : إن كان الركاز الذي فيه الخمس مما قد غنم ، فإن هذا كلام فاسد ، لأنه لو كان كذلك لاختلف في البلدان المفتتحة صلحا والمفتتحة عنوة ، وكان في الموجود في المفتتح منها عنوة المرد الخمس لله - عز وجل - ، والأربعة الأخماس للذين فتحوا المدينة الموجودة فيها ، وما كان في المفتتحة صلحا فمردود على أهلها ، وقد منع الإجماع من ذلك وسووا جميعا بين حكم الركاز الموجود في كل المواضع ، وجعلوا حكمه حكم نفسه ، لا حكم موضعه الموجود فيه ، وإذا وجب أن يكون الموجود في المعادن من الذهب ومن الورق ، وكان أوجب أن يكون الخمس في عينه حيث وجده الرجل من ملكه ومن غيره ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه لم يحصن بذلك ركازا دون ركاز " ، كما قال أبو يوسف ، ومحمد ، مما ذكرناه عنهما في هذا الكتاب ، لا كما قال أبو حنيفة فيه : من تفريقه بين ما وجده الرجل من ذلك في ملكه وبين ما وجده في غير ملكه على قدر ما ذكرناه في ذلك في هذا الباب .

وكان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يجعلون الورق والذهب ، والحديد ، والرصاص ، والنحاس كله في حكم واحد ، ويجعلون ما وجد من ذلك في معدنه ركازا ، ويوجبون فيه [ ص: 331 ] الخمس على ما ذكرنا عن كل فريق في الذهب والورق في هذا الباب . حدثنا بذلك من قولهم محمد ، عن علي بن معبد ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، قوله عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف من قوله ، وعن علي ، عن محمد من قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية