أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) .

قال الله - عز وجل - : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) فاختلف أهل العلم في هذه الآية ، فقال بعضهم : هي آية محكمة ، والحق المذكور فيها هو الواجب في الزرع من العشر ، ومن نصف العشر . وممن قال بذلك منهم : مالك بن أنس حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال مالك في قول الله - عز وجل - : " ( وآتوا حقه يوم حصاده ) إن ذلك الزكاة " ، والله أعلم ، وقد سمعت من يقول ذلك .

قال أحمد : وقد روي هذا القول ، عن ابن عباس على اختلاف وقد روي عنه فيه ، سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى .

669 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، قال : أخبرنا أبو معاوية ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : " العشر ونصف العشر " .

وقد روي هذا عن محمد بن الحنفية على اختلاف ، وروي عنه فيه سنذكره في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .

670 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد ، قال : أخبرنا شريك ، عن الحجاج ، عن سالم المكي ، عن ابن الحنفية مثله .

وقد روي هذا القول عن غير واحد من التابعين سوى محمد بن علي .

671 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن [ ص: 332 ] إبراهيم بن نافع المكي ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، " ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : زكاته " .

672 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن محمد بن رفاعة ، عن محمد بن كعب ، في قوله - عز وجل - : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : ما قل منه أو كثر ، وقال بعضهم : هي آية منسوخة . ورووا ذلك عن ابن عباس .

673 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : " نسختها العشر ونصف العشر " .

اختلف أبو معاوية ، وحفص في هذا عن الحجاج ، فرواه كل واحد على ما ذكرنا . ورووا ذلك أيضا عن محمد بن علي بن الحنفية .

674 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد ، قال : أخبرنا حفص ، عن الحجاج ، عن سالم المكي ، عن ابن الحنفية ، مثله .

فاختلف شريك وحفص عن الحجاج في هذا ، فرواه كل واحد على ما ذكرناه . وقد روي هذا أيضا عن النخعي .

675 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : نسختها الزكاة ، وقال بعضهم : هي محكمة ، والحق المراد فيها غير الزكاة . وقد روي هذا القول عن ابن عمر .

676 - حدثنا سليمان ، قال : حدثنا الحصيب الحارثي ، قال : حدثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن أيوب ، عن نافع ، أو إسماعيل ، عن نافع ، عن ابن عمر ، في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : " كان إذا صرم يعطي ضغثا " . [ ص: 333 ] .

وقد روي هذا عن مجاهد بغير هذا اللفظ .

677 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : " إذا حصد أطعم منه ، وإذا أدخله البيدر أطعم منه ، وإذا داسه أطعم منه " .

678 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : " كان يلقى له من السنبل " .

679 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، قال : حدثنا سنان بن عبد الرحمن ، عن منصور ، عن مجاهد ، ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ، قال : إذا حضروا عند الحصاد أعطاهم السنبل ، وإذا حضروا عند الكيل حثا لهم من الحنطة ، وإذا علم كيله أخرج زكاته ، وإذا حضروا عند الجذاذ أعطاهم من الثمر ، وإذا حضروا عند الكيل خبا لهم منه ، وإذا علم كيله عزل زكاته .

فهؤلاء كانوا يذهبون في الحق المذكور في هذه الآية أنه سوى الزكاة ، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : " في المال حق سوى الزكاة " ، وقد روينا ذلك فيما تقدم في كتابنا هذا .

وقد روي عن جابر بن عبد الله في هذه الآية أنها محكمة والمراد بالحق المذكور فيها الزكاة ، والاستدلال على ذلك بقوله - عز وجل - : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

680 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا محمد بن سليم ، عن حبان الأعرج ، عن جابر بن زيد ، وأبي حنيفة ، ( يوم حصاده ) قال : الزكاة المفروضة [ ص: 334 ] .

ولولا ذلك لم يقل : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) .

قال أحمد رحمه الله : ومعناه عندنا ، والله أعلم : أن المسرف لا يكون إلا بمجاوزة الواجب ، كقول الله - عز وجل - : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) .

قال : لا يقتل غير قاتله ، والله أعلم بما أراد ، غير أن أهل العلم قد أجمعوا فيما أخرجت الأرض الحرة العشر أو نصف العشر على ما قالوا من ذلك ، وعلى ما قاله بعضهم من وجوب ذلك في قليله وكثيره ، وعلى ما أوجبه بعضهم في مقدار منه دون ما سواه مما هو أقل من ذلك المقدار ، وعلى ما أوجب بعضهم في ذلك كله إلا الحطب والقصب والحشيش ، وعلى ما أوجبه بعضهم فيما له من ذلك ثمرة باقية دون ما سواه مما لا ثمرة له باقية فيما سنذكره وقائليه ، وما روي فيه في مواضعه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية