أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
ولما كان من أخلاق أهل الحوائط المحمودة منهم إغراء بعض ثمار حوائطهم ، وكان ما يغرونه من ذلك فإنما يقصدون به إلى المساكين الذين يستحقون الزكوات ، كان ذلك محطوطا مما خرص عليهم ، مرفوعا عنهم منه كما حطه أبو خيثمة ، ورفعه عن ابن عمه في خرصه عليه ثمرة حائطه على ما في حديث الفدكي ، وعلى ما في حديث ابن أبي خيثمة في رفعه عن سعد بن أبي سعد في خرصه ، ومثل ذلك ما :

725 - روى عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا صدقة في العرية " أي : لأن العرية نفسها صدقة ، فلا صدقة فيما أخرج صدقة .

فإن سأل سائل عن العرية ما هي ؟ قيل له : هي العطية وكذلك روي عن زيد بن ثابت .

726 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا محمد بن عوف الزيادي ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن البائع والمبتاع وعن المزابنة " .

قال : وقال زيد بن ثابت : رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرا [ ص: 351 ] .

فهذا زيد بن ثابت يخبر أن العرية هي الهبة ، وهو من أهل العرايا ، لأنها كانت للأنصار ، لا نعلمها كانت لغيرهم .

وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر منقطع يدل على هذا .

727 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت قيس بن سعد يحدث ، عن مكحول الشامي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " خففوا في الخرص ، فإن في المال العرية والوصية " .

728 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب أنه سئل عن العرايا ، فقال : كان الرجل يطعم أخاه النخلتين والثلاث في النخلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يرخص للذي يطعمهن أن يبيعهن قبل أن يبدو صلاحهن " .

وقد مدحت الأنصار بالعرايا ، حتى قيل فيهم ما ذكره أبو عبيدة :


وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح

أي : أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح على سبيل الصدقة بها ، وفي العرايا كلام كثير واحتجاجات ليس هذا موضعها .

فإن قال قائل : ففي حديث الفدكي من قول أبي خيثمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رفعت له قدر عرية أهله " .

قيل له : معناه عندنا والله أعلم ، قدر عرية صدقته التي يتصدق بها من ثمرة حائطه ، لأن ما أضيف إلى أهله إنما هو المراد ، وكذلك ما أضيف إلى آله فهو المراد به ، ألا ترى أن الحديث المروي ، " لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود " مزمار من مزامير داود ، لأن المزامير إنما كانت لداود صلى الله عليه وسلم ، لا لغيره من آله .

ولما كان أهل الحوائط غير ممنوعين من الأكل من ثمارها لأنها قوتهم ، ولا غناء لهم [ ص: 352 ] عنها ، وكان ذلك مما لا يبقى فيها إلى وقت جذاذها فوجب بذلك أن يكون ذلك المقدار محطوطا منها عن أهلها .

وجميع ما ذكرنا من هذه الأشياء التي تحط من الخرص ، وإن شاء الخارص قدر لها قدرا في الذي حطه مما يجعله قدر الثمرة على ما في حديث عبد الرحمن بن الأسود ، عن ابن أبي خيثمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " إذا خرصتم فدعوا الثلث فدعوا الربع " ، فإن شاء خرصها بكمالها كما خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديقة المرأة في حديث أبي حميد الساعدي ،

التالي السابق


الخدمات العلمية