أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد كان محمد بن الحسن ، قال : في كتاب سيره الكبير في رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله : إن الوصية أن يجعل ذلك في الحاج المنقطع بهم ، ولم يحك خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .

وقد روي عن أبي يوسف خلاف هذا القول وهو أن سليمان حدثنا ، عن أبيه ، عن أبي يوسف ، أنه سئل عن ذلك ، فقال : أهل سبيل الله - عز وجل - هم الغزاة ، والذي قال محمد في هذا أحب إلينا مما قاله أبو يوسف ، لموافقته ابن عمر ، ولما روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

777 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : أرسل مروان إلى أم معقل الأشجعية ، فسألها عن هذا الحديث ، فحدثته أن زوجها جعل ناضحه في سبيل الله ، وأرادت العمرة ، فسألت زوجها الناضح ، فأبى ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يعطيها ، وقال : " إن الحج والعمرة من سبيل الله - عز وجل - " .

778 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا عمر بن علي ، عن موسى بن عقبة ، قال : حدثني عيسى بن معقل ، عن جدته أم معقل ، قالت : قدمنا المدينة فوضع فينا الجدري ، فهلك أبو معقل وترك بعيرا ، فجعله في سبيل الله - عز وجل - ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اركبي بعيرك فإن الحج من سبيل الله - عز وجل - " .

779 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا المختار بن فلفل ، قال : حدثني طلق بن حبيب البصري ، أن أبا طليق حدثه ، أن امرأته أم طليق ابنه ، فقالت له : قد حضر الحج يا أبا طليق ، وكان له جمل وناقة ، يحج على الناقة ويغزو على [ ص: 371 ] الجمل ، فسألته أن يعطيها الجمل فتحج عليه ، فقال : ألم تعلمي أني حبسته في سبيل الله - عز وجل - ، فقالت : إن الحج من سبيل الله ، أعطنيه يرحمك الله ، فقال : ما أريد أن أعطيك ، قالت : فأعطني ناقتك وحج أنت على الجمل ، فقال : لا أوثرك بها على نفسي ، فقالت : فأعطني نفقتك ، قال : ما عندي فضل عني وعن عيالي ، ما أخرج به وما أترك لكم ، قالت : لو أعطيتني منه أخلفه الله .

قال : فلما أتيت عليها ، قالت : فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرئه مني السلام وأخبره بالذي قلت لك .

قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرأته منها السلام ، وأخبرته بالذي قالت أم طليق ، فقال : " لو أعطيتها الجمل كان في سبيل الله ، ولو أعطيتها ناقتك كانت وكنت في سبيل الله ، ولو أعطيتها من نفقتك أخلفها الله - عز وجل - " .

قال : وإنها تسألك يا رسول الله ما يعدل الحج ؟ ، قال : " عمرة في رمضان " .


فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل الحج من سبيل الله ، وأجاز صرف ما جعل الله - عز وجل - في سبيل الله إليه ، فثبت بذلك ما قلنا .

وأما قوله : ( وابن السبيل ) فهم الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها ، حتى تلحقهم الحاجة إلى الصدقة ، فالصدقة لهم حينئذ مباحة ، وهم في حكم الفقراء الذين لا أموال لهم في جميع ما ذكرنا حتى يصلوا إلى أموالهم ، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم علمناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية