أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وأما ما احتج به من احتج في ذلك بإجارة العمل للغني على الصدقة ، والاجتعال على ذلك منها ، فإن ذلك غير مشبه لما شبهه به ، وذلك لأن الغني الذي ليس له المكان الذي ذكرناه من هاشم ، قد يجوز أن يفتقر فتحل له الصدقة بفقره إليها ، وكذلك يجوز أن تحل له الصدقة بعمله عليها ، وذو المكان من هاشم لو كان فقيرا لم تحل له الصدقة بفقره إليها ، وكذلك لا تحل له بعمله عليها .

وقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في خروجه إلى اليمن عاملا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعماله سوى الصدقة ، منها القضاء كما :

802 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا سنان النحوي ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي ، عن علي - رضي الله عنه - ، قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إنك بعثتني إلى قوم شيوخ ، ذوي سن ، وإني أخاف أن لا أصيب ، فقال : " الله - عز وجل - يثبت لسانك ، ويهدي قلبك " .

803 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي ، قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، فقلت : إنك بعثتني إلى قوم أسن مني وكيف أقضي ؟ فقال : " اذهب فإن الله - عز وجل - يهدي قلبك ، ويثبت لسانك " .

804 - وكما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شريك ، وزائدة ، وسليمان بن معاذ كلهم ، عن سماك بن حرب ، عن حنش ، عن علي - رضي الله عنه - ، [ ص: 385 ] قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا تقاضى إليك الرجلان ، فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر ، فإنك إذا سمعت ذلك عرفت كيف تقضي " ، قال علي - رضي الله عنه - : فما زلت قاضيا بعد .

وزاد سليمان : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - ، " إن الله - عز وجل - يثبت لسانك ويهدي قلبك .

805 - وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا محمد بن سعيد ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن سماك ، عن حنش ، قال : قال علي : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن ، وأنا حديث السن ، فقلت : بعثتني وأنا حديث السن ، ولا علم لي بالقضاء ، فقال : " إن الله - عز وجل - هاد قلبك ولسانك ، فإذا جلس إليك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر ، فما شككت في قضاء بعد " .

ومنها الولاية على معادنها كما .

806 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سعيد بن مسروق أبي سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن نعيم ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عليا إلى اليمن ، فبعث إليه بذهب من تربتها ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة ، بين الأقرع بن حابس ، وعيينة بن بدر ، وزيد الخيل الطائي ، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، فغضبت قريش ، فقالت : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أعطيتهم أتألفهم " .

ومنها الولاية على غزو كفار أهلها كما .

807 - حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن عمران الطبراني ، المعروف بابن خلف ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ابن أبي عيينة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن بريدة ، قال : غزوت مع علي اليمن ، فرأيت منه جفوة ، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت عليا فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير ، فقال : " يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : " [ ص: 386 ] من كنت مولاه فعلي مولاه " .

فدل ما ذكرنا أن عليا كان في خروجه إلى اليمن لولاية أشياء دخلت فيها الصدقات وكان بتوليه تلك الأشياء كالخليفة الهاشمي في توليه إياها ليوليها غيره ممن ليس في نسبه ، فيرزقه منها ، ويتولاها بنفسه بلا رزق يرزقه منها ، ويكتفي بارتزاقه مما سواها ، وبسهمه مما يغنمه بقتاله ، وبسهمه بذوي قرباه .

وإن احتج محتج لمن ذهب إلى إجارة العمالة لمن موضعه من هاشم الموضع الذي ذكرنا بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أكله هدية بريرة التي تصدق بها عليها ، ومن قوله عند ذلك لما قيل له : إنك لا تأكل الصدقة : هي عليها صدقة ولنا هدية .

قال : وكذلك العامل على الصدقة ممن له من هاشم الموضع الذي ذكرنا ، العمالة من الذي أخذت منه الصدقة ، وهي للعامل عليها أجرة . .

قيل له : هذا لا يشبه ما شبهته به ، لأن العامل على الصدقة عمالته من الصدقة ، وهي خارجة من ملك المصدق بها إلى ملكه لا واسطة بينهما ، والصدقة عليه حرام مملكة إياها ، وهي صدقة من حيث ملكها عليه حرام ، وما تصدق به على بريرة فقد كانت ملكته صدقة عليها ، وخرج من ملك المصدق به عليها إلى ملكها ، ثم أهدته هي إلى من أهدته إليه فملكه عليها هدية .

وكان بين خروج الصدقة بذلك من ملك التصدق بها وبين وقوع ملك الذي أهدته بريرة إليه عليه ملك بريرة إياه ، فكان دخوله في ملك الذي أهدته من صدقة قد كانت ، فأنبت وانقطعت قبل ذلك وملك العامل على الصدقة عمالته من نفس الصدقة قبل إنباتها من ملك المصدق بها ، وانقطاعه عنها ، وإنما أنبت ذلك وانقطع بملكه إياه ، لا واسطة بينه وبينها .

التالي السابق


الخدمات العلمية