أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقال بعضهم : لم يرد بهذه الآية إلا الشيخ الكبير ، والعجوز الكبير المطيقان للصوم ، فرخص لهما في الإفطار تخفيفا عنهما ، وجعل عليهما أن يطعما مكان ذلك الصوم ، الذي يفطرانه ، وأن يجعلا في ذلك كمن سواهما من الشباب والأصحاء . ورووا ذلك عن ابن عباس : [ ص: 418 ] .

905 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبير في ذلك وهما يطيقان الصوم ، أن يفطرا إن شاءا ، وأن يطعما عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما ، ثم نسخ ذلك بهذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) " فثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والمرضع إذا خافتا أفطرتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكينا .

906 - حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عروة ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، مثله ، وزاد : " ولا قضاء عليهما .

وكان بعضهم يقرؤها : وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين على معنى : يطوقونه ولا يطيقونه .

907 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : حدثنا محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي عمرو ، مولى عائشة ، أن عائشة رضي الله عنها ، كانت تقرأ : يطوقونه .

908 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا زكريا بن إسحاق ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء ، أنه سمع ابن عباس ، يقول : وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين .

قال ابن عباس : " ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " .

909 - حدثنا أبو شريح ، قال : حدثنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه يقرأ هذه الآية : وعلى الذين يطوقونه ، قال : " هو الشيخ الكبير يطعم عنه نصف صاع لكل يوم " .

فكان معنى يطوقونه عند هؤلاء الذين قرؤوا هذه الآية كذلك يؤخذون به ، كما :

910 - حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا عمران بن [ ص: 419 ] حدير ، عن عكرمة ، قال : الذين يطوقونه الذين يؤخذون به ، والذين يطيقونه يصومونه " .

وقد رويت هذه القراءة عن ابن عباس كما ذكرنا ، وروي عنه في المراد بها ما وصفنا .

وقد روي عنه أيضا خلاف هذه القراءة .

911 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محول بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) قال : " الذين يجشمونه ولا يطيقونه للحبلى والمريض والكبير وصاحب العطاس " .

وكأن المراد بالطاقة في هذا عند ابن عباس هو الطاقة التي معها المشقة على ما في حديث عزرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، الذي رويناه ، وليس على الطاقة التي لا مشقة لها .

912 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس ، كانت له جارية ترضع فجهدت ، فقال لها : " أفطري ، فإنك بمنزلة ( الذين يطيقونه ) " .

ففي هذا الحديث ما يدل على أنها قد كانت تطيق الصوم بمشقة عليها وجهد لها ، فدل ذلك من قراءة ابن عباس على أنها على إثبات الطاقة ، لا على نفيها ، وعلى أن الطاقة المرادة في ذلك هي الطاقة التي معها المشقة والجهد ، لا ما سواها من الطاقات اللاتي لا جهد معها ولا مشقة .

وقد ثبت بهذه التأويلات اللاتي ذكرنا إيجاب صوم شهر رمضان في عين الشهر على الحاضرين ، البالغين ، المكلفين ، المطيقين لصومه ، وانتفى أن يكون لهم الرخصة في ترك صومه لفدية يفتدونها منه ، لأن الذين ذهبوا إلى أن الآية التي تلونا منسوخة كما قال سلمة بن الأكوع فيما روينا عنه من ذلك في هذا الكتاب ، ذهبوا إلى أنه قد كان للناس جميعا الفدية من الصوم بالإطعام ، حتى نسخ الله - عز وجل - ذلك بما نسخه به مما قد ذكرناه في هذا الباب ، ولأن الذين ذهبوا إلى أن الآية غير منسوخة قرؤوها على التطويق ، لا على الطاقة جعلوا الطعام المذكور فيها على المطوقين غير المطيقين كما روينا عن عائشة في هذه القراءة عن ابن عباس في الموافقة لها على ذلك ، وفي تأويله ذلك على ما تأوله عليه ، ولأن الذين ذهبوا إلى الرواية الأخرى التي رويناها ، عن ابن عباس ، وقرؤوها على إثبات الطاقة ، جعلوا الطعام المذكور فيها بدلا من الصيام على المطيقين له بالمشقة والجهد ، لا بما [ ص: 420 ] سواهما ، وجعلوا من لا مشقة عليه في الصوم ، ولا جهد عليه فيه من الداخلين في قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فقد عاد صوم شهر رمضان في عين الشهر فرضا على المطيقين للصوم بلا مشقة ، ولا اجتهاد من الحاضرين المطيقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية