أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد اختلف أهل العلم فيمن صام رمضان في السفر ، فقال بعضهم : لا يجزئه وعليه أن يقضيه في الحضر . ورووا ذلك عن المحرز بن أبي هريرة ، قال : صمت رمضان في السفر ، فلما قدمت أمرني أبي أن أعيده في الحضر .

واحتجوا لقولهم هذا بقول الله - عز وجل - : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، وربما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " ليس من البر الصيام في السفر " .

950 - حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مصفى ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الأبرش ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . [ ص: 435 ] .

951 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا شعبة ، وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عمرو بن حسن ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، " فسأل ما هذا ؟ " فقالوا : صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

952 - حدثنا علي ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن شهاب ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، أخبره ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

953 - حدثنا علي ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا محمد بن أبي حفصة ، عن ابن شهاب ، عن صفوان ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر " .

954 - حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت الزهري ، يقول : أخبرني صفوان ، عن أم الدرداء ، عن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

قال سفيان : وذكر لي أن الزهري كان يقول : ولم أسمعه أنا منه: من امبر إمصيام فمسفر .

وقال بعضهم : من صام رمضان في السفر أجزأه ، وكان كمن صامه في الحضر ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، ومالك ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وعامة أهل العلم سوى ما رويناه خلاف ذلك عمن ذكرناه عنه ، وإن كانوا قد اختلفوا في الأفضل من ذلك ما هو ؟ هل هو الصوم أو الإفطار ؟ [ ص: 436 ]

فكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى ، ما احتجوا به عليهم من قول الله عز وجل : ( فعدة من أيام أخر ) ، إن ذلك ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه من ما ذكرناه عنهم ، لأن قوله - عز وجل - : ( فعدة من أيام أخر ) إنما هو على الرخصة منه لهم في ترك الصيام ، في عين الشهر ، وقضائه بعد ذلك في غير الشهر .

والدليل على ما ذكرناه من ذلك أنه قال - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ) ولم يستثن في ذلك حاضرا من غائب ، ولا مريضا من صحيح ، وعم بذلك المؤمنين جميعا .

ثم قال : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فكان هذا خطابا منه لمن دخل في الآية الأولى ممن كتب عليه الصيام ، قال ذلك على أن قوله : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) أنه على الرخصة في الإفطار في عين الشهر للمسافرين وللمرضى ، لا على أن صومهما إياه إن يكلفوه غير مجزئ عنهم .

وأما ما ذكروه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر " ، فلا حجة لهم أيضا في ذلك ، لأنه قد يجوز ليس من البر الصيام في السفر أي : ليس من البر الذي هو أبر البر ، أو أعلى مراتب البر الصوم في السفر ، حتى لا يكون منه بد ، أو حتى يكون الإفطار فيه إثما ، كما لا بد منه في الحضر ، وكما إفطاره في الحضر إثم ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صام في السفر فيما رويناه مما تقدم منا .

أفيجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صام صوما ليس ببر ؟ وحاش لله أن يكون كذلك ، ولكن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " ، على معنى ليس من البر الذي هو أبر البر الصيام في السفر ، لأنه قد يكون الإفطار في السفر للقوة للقاء العدو ولما أشبه ذلك أفضل من الصوم في السفر ، ولكن ذلك عندنا كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان " ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : " المسكين الذي لا يعرف ، ولا يسأل فيتصدق عليه " .

955 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث [ ص: 437 ] .

956 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية