أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
تأويل قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن )

قال الله - عز وجل - : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) [ ص: 441 ] .

وكان شهر رمضان الذي ذكره الله - عز وجل - لنا شهرا معقولا بالأهلة التي جعلها لنا مواقيت بقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) ، فأعلمنا عز وجل أن الأهلة مواقيت لنا ولحجنا ، ولما سوى ذلك مما نحتاج إلى الأوقات فيه من أمور ديننا من الصيام ، والعدد ، والإيلاءات ، وما أشبه ذلك ، ولما نحتاج إليه من أمور دنيانا في معاملاتنا وحلول آجال ديوننا .

ولم يبين لنا عز وجل في هذه الآية عدة الشهور التي تعلم بالأهلة ، وبينه لنا في سورة "براءة" بقوله عز وجل : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) .

فأخبر عز وجل أن عدة هذه الشهور التي جعلها مواقيت اثنا عشر شهرا .

وبين ذلك لنا أيضا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، بقوله في خطبته على الناس في حجة الوداع : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم " وسنأتي بذلك وبإسناده في موضع الحاجة إن شاء الله تعالى .

فأعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرناه عنه من هذا أن هذه الاثني عشر شهرا إذا كملت سنة ، ثم دخلت سنة أخرى ، ثم كذلك الأزمنة في المستأنف أبدا ، ولم يبين عز وجل مقدار ما بين كل هلالين من هذه الأهلة من الأيام والليالي ، وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

974 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا زكريا بن إسحاق ، عن عمرو بن دينار ، أن محمد بن جبير أخبره ، أنه سمع ابن عباس ، يقول : إني لأعجب من الذين يصومون قبل رمضان ، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .

975 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ، فذكر بإسناده ، مثله .

976 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا إبراهيم بن يسار ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن محمد ، عن ابن عباس ، قال : سمعته يقول ، فذكر مثله .

977 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال : سمعت أبا هريرة - رضي الله عنه - ، يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " [ ص: 442 ] صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .

978 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا الحسن بن الربيع ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الرواسي ، عن مجاهد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فصم ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك " .

ففيما روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد عقلنا به أن الشهر لا يجاوز ثلاثين يوما .

979 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " الشهر تسع وعشرون ، ولا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له " .

فعقلنا بذلك أن الشهر لا يكون أقل من تسع وعشرين ، وعقلنا بما روينا قبله أنه لا يكون أكثر من ثلاثين غير أنه قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قصد فيه إلى شهر رمضان ، وإلى ذي الحجة بمعنى أبانها من سائر الشهور .

980 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، وعلي بن معبد ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد ، عن سالم أبي عبيد الله بن سالم ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " شهرا عيد لا ينقصان : رمضان ، وذو الحجة " .

981 - حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، عن شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

فذهب قوم إلى أن ذلك على نقصان العدد ، وأن كل واحد من شهر رمضان ومن ذي الحجة لا يكون أقل من ثلاثين على ظاهر هذا الحديث [ ص: 443 ] .

وذهب آخرون على أن معنى " لا ينقصان " أي : لا يجتمع نقصانهما في عام واحد ، وإن كان كل واحد منهما قد ينقص مع وفاء عدد صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية