أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وذهب آخرون على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا ينقصان " أي : لا ينقصان وإن كانا تسعا وعشرين ، في أحكامهما عما يكونان عليه إذا كانا ثلاثين ، لما فيهما من أمور الإسلام ، لأن الصوم في أحدهما وليس في غيره من الشهور ، والحج في أحدهما وليس في غيره من الشهور ، يقصد إليهما بذلك لينفي عنهما نقصان الحج والصيام ، وإن كانا تسعا وعشرين .

وقد دل هذا التأويل ما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " الشهر تسع وعشرون " ، ومن قوله في شهر رمضان : " إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " .

فعقلنا بذلك أنا قد نرى هلال شوال قبل أن يكمل رمضان ثلاثين يوما . وقد روي حديث أبي بكرة هذا من غير هذين الوجهين بخلاف ما روي من هذين الوجهين .

982 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا فروة بن أبي المغراء ، قال : حدثنا القاسم بن مالك المزني ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة " .

وكان هذا الحديث عندنا ليس بشيء إذ كان عبد الرحمن بن إسحاق لا يقام خالد الحذاء في ضبطه وإتقانه ، وإذا العنان قد يدفع ما رووا ، لأنا قد رأينا الشهور الحرام قد تنقص عن الثلاثين ، لا تدافع ذلك العامة ولا الخاصة في حديث ابن إسحاق هذا ، إخراج رمضان مما أدخله فيه خالد في حديثه الذي رويناه عنه أن شهر رمضان ليس من الشهور الحرم ، وقد ذكرنا فيما تقدم بنا في هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر تسع وعشرون من غير أن يكون نقصا " ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، واحتجنا إلى إعادته هاهنا ، وبعض ما روي عنه فيه ليستخرج ما في ذلك من الدلائل على المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " شهرا عيد لا ينقصان ، رمضان وذو الحجة " .

983 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمد بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ونقص في الثالثة أصبعا " . [ ص: 444 ] .

984 - حدثنا بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا صلة بن سحيم ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهر هكذا ، وهكذا ، وهكذا ، وضم إبهامه في الثالثة " .

985 - حدثنا بكر ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا الأسود بن قيس ، قال : سمعت سعيد بن عمرو ، يقول : سمعت ابن عمر يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

986 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، أنه سمع عبد الله بن عمرو ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " الشهر تسع وعشرون " .

وكان هذا عندنا والله أعلم من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قصده إلى شهر بعينه أنه كذلك ، لا على أن الشهور كلها تسع وعشرون .

ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " ، لأنه أكثر ما يكون الشهر كذلك والدليل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصد بقوله : " الشهر تسع وعشرون " إلى شهر بعينه .

987 - أن بكارا ، وإبراهيم بن مرزوق حدثانا ، قالا : حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، عن سماك أبي زميل ، قال : حدثني ابن عباس ، قال : حدثني عمر بن الخطاب ، فذكر إيلاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه ، وأنه نزل لتسع وعشرين ، فقال : " إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين " هكذا لفظ هذا الحديث .

988 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن محمد بن صيفي ، أن عكرمة أخبره ، أن أم سلمة أخبرته ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " حلف أن لا يدخل على بعض أهله شهرا ، فلما مضى تسع وعشرون [ ص: 445 ] غدا عليهما ، أو راح " ، فقيل له : حلفت يا نبي الله أن لا تدخل عليهن شهرا ؟ ، فقال : " إن الشهر تسعة وعشرون يوما " .

989 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا زكريا بن إسحاق المكي ، قال : حدثنا أبو الزبير ، أنه سمع جابرا ، يقول : هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرا وكان يكون في العلو ، ويكن في السفل ، فنزل إليهن في تسع وعشرين ليلة ، فقال رجل : إنك مكثت تسعا وعشرين ليلة ، فقال : " إن الشهر هكذا ، وهكذا بأصابع يده وهكذا وقبض في الثالثة إبهامه " .

990 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : حدثني أبو الزبير أنه سمع جابرا ، فذكر مثله .

991 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس ، قال : آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه ، فأقام في مشربة تسعا وعشرين ، ثم نزل فقالوا : يا رسول الله ، آليت شهرا ، فقال : " الشهر تسع وعشرون " .

فدل ما ذكرنا على أن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " الشهر تسع وعشرون " ، أو ما معناه ، معنى هذا القول : أنه أراد بذلك الشهر الذي وقع إيلاؤه عليه ، وذلك عندنا ، والله أعلم ; لأن يمينه وافقت أول الشهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية