أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقال بهذا القول الذي ذكرنا من نفي الاعتكاف بلا صيام : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير .

1085 - حدثنا الربيع ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : سمعت سعيدا ، يقول : " من اعتكف فعليه الصيام ، وإن لم يوجب على نفسه صياما " .

1086 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : " المعتكف عليه الصوم ، ولا يكون إلا بصوم " .

ولما اختلفوا في ذلك ، ولم نجد في كتاب الله عز وجل ما يطلق الاعتكاف بغير صوم ، بل وجدنا فيه ما هو أقرب إلى إيجاب الصوم في الاعتكاف من إطلاق الاعتكاف بلا صوم ، وهو قوله عز وجل : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ، وكان الاعتكاف الذي ذكره هاهنا قد ذكر معه الصوم ، ولم نجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاقه بلا صوم ، إلا ما تعلق به من ذكرنا من حديث ابن عيينة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر في إطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر اعتكافه ليلة في المسجد الحرام ، وقد ذكرنا من خالف ابن عيينة في ذلك ، عن أيوب ، ومن خالف أيوب في ذلك ، عن نافع ، وذكرهما أن سؤال عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان على اعتكاف يوم ، لا على اعتكاف ليلة ، ولم نجد في أقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاق ذلك بلا صوم ، إلا ما رويناه عن أبي سهل بن مالك ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، وروينا مع ذلك عن عطاء ، ومجاهد ، وأبي فاختة ، عن ابن عباس خلاف ذلك ، فكان ثلاثة أولى بالحفظ من واحد .

ولم نجد في النظر ما يطلق ذلك ، غير أن بعضهم قد كان يحتج في ذلك ، فيقول : لما كان الاعتكاف يكون في الليل الذي لا صوم فيه ، كما يكون في النهار الذي فيه الصوم ثبت بذلك أن الاعتكاف لو كان إنما أطلق في الصوم لخرج منه المعتكف بخروجه من الصوم ، فدخل عليه في ذلك ، أنا وجدنا الاعتكاف لم يطلق للرجال إلا في المساجد ، ولم يطلق [ ص: 476 ] لهم فيما سواها من الطرقات والمنازل ، ورأينا المعتكف قد يخرج من المسجد للغائط وللبول إلى المكان الذي ليس من مواطن الاعتكاف ، فلا يخرج بذلك من الاعتكاف ، إذ كان فيهما جميعا معتقدا للاعتكاف غير تارك له ، وإذا كان ما صار إليه من الليل الذي لا صوم فيه ، ومن موطن الغائط والبول الذي لا اعتكاف فيه مما لا بد له منه ، ولم نجد في القياس ما يوجب في ذلك غير أنا وجدنا بعضهم قد كان يدعي القياس في ذلك ويقول : رأيت مواطن الحج كعرفة ، وهي ليس للإقامة فيها حكم ، إلا أن يكون المقيم فيه في حرمة شيء ، ولا حرمة نجدها تكون عليه إلا الصوم ، فدخل عليه في ذلك أنه في حرمة ، وهي الاعتكاف كما لا يحتاج المقيم في مواطن الحج في حرمة الحج .

ثم وجدنا المطالبة بعدنا فيه لكل واحد من الفريقين على صاحبه في إيجاب الاعتكاف بالصيام ، أو في إطلاق الاعتكاف بلا صيام ، ولم نجد لذلك مثلا فنعطفه عليه قياسا .

ووفقنا بما ذكرنا على أن هذا المعنى لا يوصل إليه إلا بالتوقيف ، ووجدنا عن علي ، وابن عمر ، وعائشة - رضي الله عنهم - ، وعن ثلاثة عن ابن عباس : أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم ، أثبتنا بذلك الصوم في الاعتكاف ، ولم يطلق لأحد اعتكافا إلا في صوم .

فإن قال قائل : فقد أطلقتم له الاعتكاف في رمضان الذي قد وجب عليه صومه بغير الاعتكاف .

قيل له : إنا لم نقل : إن الاعتكاف لا يجب إلا بوجوب الصوم له ، إنما قلنا : لا اعتكاف إلا في صوم ، فمن اعتكف وهو كذلك كان معتكفا ، ومن اعتكف وليس كذلك لم يكن معتكفا ، وهكذا كان أبو حنيفة ، ومالك ، وزفر ، وأبو يوسف يقولونه في هذا حتى كانوا يقولون : لو أصبح رجل يوما صائما ، ثم أوجب الاعتكاف على نفسه يومه ودخل معتكفه ، فأقام فيه كذلك حتى غابت الشمس كان معتكفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية